بدايات الرقابة في السينما
بدأت الرقابة على الأفلام السينمائية في مصر بعد بداية الإنتاج السينمائي عام 1907 بسنوات قليلة، ففي مايو 1911 بدأ تنفيذ قرار محافظ القاهرة بالتدخل لمنع الأفلام المبالغ في واقعيتها من العرض السينمائي، وعُهد إلى مأموري أقسام الشرطة بالإشراف بكل دقة على ما تعرضه صالات السينما.
بدأ الإنتاج السينمائي في مصر عام 1907 وسرعان ما بدأت معه الرقابة! ففي مايو 1911 بدأ تنفيذ قرار محافظ القاهرة بالتدخل، يقول "علي أبو شادي" مؤلف "وقائع السينما المصرية" لمنع الأفلام "المبالغ في واقعيتها من العرض السينمائي، وعُهد إلى مأموري أقسام الشرطة بالإشراف بكل دقة على ما تعرضه صالات السينماتوغراف".وكانت المنافسة قد بدأت بين صالات العرض في القاهرة والإسكندرية، وأصدر وزير الداخلية قرارا بلائحة التياترات، والتي تضمنت في البند العاشر "ممنوع ما كان من المناظر أو التشخيص أو الاجتماعات مخالفا للنظام العام والآداب، وللبوليس الحق في منع ما كان من هذا القبيل وإقفال التياترو- أي صالة العرض- عند الاقتضاء".وبعد عشرة أعوام أصدرت وزارة المالية المصرية قرارا وزاريا في أغسطس 1921، يقضي بأن كل ما يرد من أشرطة السينما في القطر المصري يجب إرساله إلى إدارة الأمن العام- بوزارة الداخلية- لتفحصه وحذف ما هو مخل بالآداب أو الأمن العام.وفي عام 1929 منعت الرقابة عرض فيلم "مأساة حياة" وهذه أول مرة، يقول أبو شادي، "تمنع الرقابة فيلما كاملا حيث اعترضت على مضمون القصة، ووجدت به عيوبا فاضحة يندى لها الجبين خجلا. كما كتب الناقد الممثل بعد ذلك عبدالسلام النابلسي، أو كما نشر ذلك عبدالغني البدراوي الممثل بالفيلم "في وجود مشاهد الرقص الخليع والجمل الخارجة في حوار الفيلم (العناوين)، ذلك أنه فيلم صامت وأن العظة لا تأخذ سوى أمتار قلائل والخطايا والترف طوال الفيلم".وفي عام 1954 أصدر رئيس الجمهورية القانون رقم 427 لسنة 1954 بشأن "منع الأحداث دون السادسة عشرة من دخول دور السينما وما يماثلها لمشاهدة ما يُعرض فيها من الأشرطة السينمائية وغيرها"، وبعد عام صدر قانون بتنظيم الرقابة على "الأشرطة السينمائية ولوحات الفانوس السحري والأغاني والمسرحيات والمونولوجات والأسطوانات وأشرطة التسجيل الصوتية... بقصد حماية الآداب العامة والمحافظة على الأمن والنظام العام ومصالح الدولة العليا".برز دور الشركات الإيطالية منذ عام 1917 في مجال السينما المصرية، حيث تأسست في الإسكندرية "شركة سيتشيا" لإنتاج أفلام روائية، وأنشأت الشركة أول استديو سينمائي بالإسكندرية. ويقول أبو شادي عن عام 1918 وأعمال الشركة الإيطالية: إن الشركة أنتجت فيلمين هما "شرف البدوي" و"الأزهار الميتة"، الذي لم يُعرض على الإطلاق، "لأن الرقابة منعت عرضه، ذلك أن القرآن ظهر فيه مقلوباً، وإذا صح ذلك، فإن "الأزهار الميتة" يكون أول فيلم مصري منعته الرقابة لأسباب دينية".وحمل العام نفسه مفاجأة غير سارة للشركة، فقد قرر بنك روما تصفية أعمال الشركة وبيع معداتها ومعاملها إلى مصور إيطالي، ويختلف الكثيرون حول أسباب تمويل "بنك روما" لهذه الشركة التي اتخذت من الإسكندرية مقراً لها.ويعرض "أبو شادي" ثلاثة آراء: "يرى محمد كريم أن الإيطاليين رأوا أن شمس الإسكندرية تشرق أياما أكثر من إيطاليا، ولأن التصوير كان يعتمد على ضوء الشمس فكانت شمس مصر تفيد الإيطاليين في التقاط مناظر مصرية غير مألوفة لديهم للاستعانة بها في الباك جروند (خلفية المناظر).ويرى فريد المزاوي- المؤرخ والناقد السينمائي- أن الهدف من إنشائها كان تغذية السوق العالمي عن طريق التوزيع من روما.بينما يرى توجو مزراحي- وهو المخرج والمنتج الكبير من أصل إيطالي أيضا- أن السبب هو اعتدال الطقس في مصر الذي يساعد على الإنتاج السينمائي لإيطاليا".وللدكتور محمد كامل القليوبي تحليل أوسع حول الاستثمار الأوروبي في مجال السينما خلال هذه المرحلة:"ويرجع د. محمد كامل القليوبي أسباب إنشاء الشركة إلى لجوء الاستثمارات الأجنبية الضعيفة إلى الهرب من التكتلات الاحتكارية الضخمة المسيطرة على صناعة السينما وقتها، فلم يكن لجوء هذه الاستثمارات الهزيلة إلى مصر سوى محاولة لإيجاد هامش ضيق يمكنها من العمل في سوق تنعدم فيه المنافسة وخارج نفوذ الاحتكارات العالمية في صناعة السينما، كما يرد فشل الشركة في الاستمرار إلى اضطرارها للاعتماد على سوق التوزيع المصري فقط في مجال السينما الذي كان يحفل بأفلام الشركات الأجنبية أيضا في هذه الفترة، وإن كنت أرى أن الشركة التي تكونت أثناء الحرب، واتخذت من الإسكندرية مقرا لها، كان وراء إنشائها أسباب سياسية، وربما اتخذ منها الإيطاليون ستارا لنشاط مخابراتهم في مصر أثناء الحرب، وقد يعزز ذلك تزامن توقف الشركة مع نهاية الحرب العالمية الأولى".شهد عام 1919 بداية ظهور الممثلين المصريين في الأفلام التي يقوم بإنتاجها وتصويرها وإخراجها الأجانب المقيمون في مصر، وكان من هذه الأفلام "مدام لوريتا"، من تمثيل الكوميدي المسرحي "فوزي الجزائرلي" وأفراد فرقته. وقد صدرت في العام نفسه أول مجلة سينمائية متخصصة، وكانت تصدر شهريا في الإسكندرية باللغة الفرنسية واسمها "سينجراف جورنال"، أما أول مجلة سينمائية باللغة العربية فلم تصدر إلا في مايو 1923، وهي "مجلة الصور المتحركة"، كما تم إنشاء أول نادي سينما رسمي "نادي الصور المتحركة الشرقي" لتعليم جميع فروع الصور المتحركة، وكان له فرعان، أحدهما بالقاهرة والآخر بالإسكندرية. وبرز اسم "محمد بيومي" كأول رائد للسينما المصرية، وأول مصري يقف خلف الكاميرا منتجا ومؤلفا ومخرجا ومصورا، وبمعدات ومعامل اشتراها لحسابه الخاص من ألمانيا، وقام بتصوير فيلم "في بلاد توت عنخ آمون"، كما أصدر "جريدة آمون" السينمائية الإخبارية، صدر منها عدد واحد عام 1923 بعنوان "ترحيب الأمة المصرية باستقبال الرئيس سعد زغلول باشا"، ومدة الفيلم خمس دقائق، وذلك احتفالا بعودة الزعيم الوطني الكبير من منفاه بجزيرة سيشل.وكانت السينما قد عرضت عام 1920 ضمن الأفلام الإخبارية جنازة الزعيم الوطني "محمد فريد بك" الذي توفي في برلين في 15 نوفمبر 1919، ونقل جثمانه إلى مصر، ليدفن بالقاهرة في جنازة شعبية.