فتنة وراءها إيران!
لا يمكن استبعاد أن إيران (الرسمية) هي المؤجج الفعلي لكل هذا العنف الطائفي والمذهبي الذي بات يضرب العراق ومن قبل جهة واحدة، فقوات "الحشد الشعبي"، بقيادة هادي العامري، التي ارتكبت كل هذه المجازر الدامية في المقدادية وديالى، تابعة لحراس الثورة الإيرانية، والمستغرب أن رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي، الذي بحكم موقعه هو القائد الأعلى للقوات العراقية المسلحة، قد ضم هذا "الحشد الشعبي" إلى الجيش العراقي، مع أنه يعرف كل حقائق الأمور، ويعرف أن صاحب القرار بالنسبة لهذه المجموعة الطائفية المتطرفة هو الجنرال قاسم سليماني، وليس أي مسؤول عراقي، بغض النظر عن صفته وألقابه ومكانته الرسمية.لقد اعتقد البعض، بعد "اللكمة" التي وُجهت إلى أنوف أصحاب القرار الإيرانيين، رداً على ما تعرضت له البعثات الدبلوماسية السعودية في طهران ومشهد، أن إيران ستجنح إلى السلم والهدوء وتوقف تحرشها القديم – الجديد في الدول العربية القريبة والبعيدة، لكن ثبت أن هذا الاعتقاد ليس دقيقاً ولم يكن في محله، إذ إن قائد حراس الثورة الجنرال محمد علي الجعفري أعلن قبل أيام قليلة أنه تم تدريب مئتي ألف شاب، غير معروف ما إذا كانوا كلهم من إيران أم من دول إسلامية وعربية متعددة، وأنه جرى توزيعهم على العراق وسورية واليمن... وباكستان وأفغانستان، وهنا فإن هذا يؤكد أن ما جرى في المقدادية وديالى من عنف وتقتيل ضد العرب السنة، بادر إلى رفضه والتنديد به السيد علي السيستاني، جاء ترجمة فورية لتهديدات هذا الجنرال الإيراني الذي يقال إنه يأخذ تعليماته مباشرة من أعلى السلطات في طهران.
والسؤال الذي لابد من طرحه والإجابة عليه بكل جرأة، وبلا وجل أو تردد أو خوف، هو: لماذا يا ترى أعطت إيران الرسمية الضوء الأخضر لقوات الحشد الشعبي، بقيادة هادي العامري، الضابط في حراس الثورة الإيرانية، لترتكب كل هذه المجازر ضد العرب السنة في المقدادية وديالى، وتدمر كل المساجد السنية في هذه المنطقة، وهو الأمر الذي استنكره وندد به آية الله العظمى السيد علي السيستاني.والجواب مباشرة وبلا أي مواربة هو أن إيران الرسمية والفعلية قد شعرت، بعد حادثة حرق البعثات الدبلوماسية السعودية في طهران ومشهد، أن اتجاهاً مؤثّراً من العرب الشيعة في العراق وفي منطقة الخليج العربي كلها ما عادوا قادرين على تحمل التصرفات الإيرانية، وتدخل إيران السافر في الشؤون الداخلية للدول العربية المجاورة والقريبة، ولذلك فإنها، أي إيران، التي غدت بارعة في هذه الأساليب، بادرت إلى تحريك أكبر خلية لها مستيقظة وليست نائمة، التي هي "الحشد الشعبي"، لترتكب كل هذه الجرائم المفزعة التي رفضها وندد بها السيد علي السيستاني، وتفتعل فتنة طائفية ومذهبية، لتعيد تبعية أبناء المذهب الجعفري الاثني عشري، وخاصة في العراق، إليها... وحقيقة إن هذا مستبعد ولم يعد ممكناً، بعدما اتضح أن طهران تمادت كثيراً في محاولات استخدام أبناء هذه الطائفة الكريمة ضد أهلهم وبني قومهم وضد أمتهم ولمصلحة التطلعات الاستحواذية الفارسية في هذه المنطقة.وهنا فإنه لابد من تحميل الولايات المتحدة مسؤولية كل هذا التوتر الطائفي الذي تشهده بلاد الرافدين والمنطقة كلها، فهي بعد احتلالها العراق عام 2003 بادرت إلى صياغة معادلة "ديموغرافية" برعاية بول بريمر، "لا طيّب الله ذكره"، أفسحت المجال بموجبها لإيران لتسيطر على هذا البلد العربي وتحتله عملياً وفعلياً احتلالاً مباشراً، وتفعل فيه ما تشاء وما يحلو لها، وتمزقه مذهبياً وعلى هذا النحو، لتضمن بقاءً طويلاً في بلدٍ لم يتردد بعض كبار المسؤولين الإيرانيين في الادعاء بأنه كان جزءاً من إمبراطورية فارس القديمة، وأن بغداد ستكون مرة أخرى عاصمة الدولة الساسانية بنسختها الجديدة التي هي جمهورية إيران الإسلامية.