القادمون الجدد الى أوروبا قد يؤثرون على التمويل العام، لا على الأجور في القارة، والترحيب الذي قوبل به 1.1 مليون لاجئ الى ألمانيا في سنة 2015 بدأ يتراجع بسرعة، وفي التاسع عشر من هذا الشهر بعث 44 نائباً في البرلمان الألماني برسالة إلى المستشارة أنجيلا ميركل وهي من أشد أنصار اولئك اللاجئين قالوا فيها: "تكاد بلادنا تصبح في حالة ارتباك".

Ad

ولكن على الرغم من ذلك قد يكون المزيد من اللاجئين في طريقهم الى البحث عن مكان جديد في العالم، إنهم 8 ملايين من المهجرين في الداخل السوري، و4 ملايين في الدول المجاورة.

وتفرض الاعتبارات الانسانية أن يقبل العالم الغني قدوم اللاجئين من دون النظر إلى ما ينطوي عليه ذلك من تأثيرات اقتصادية على البلد المضيف، ولكن الجوانب الاقتصادية التي يفرزها هذا التدفق لا تزال ذات أهمية، وخاصة من ناحية اضفاء لون على مفهوم وصورة القادمين الجدد الى القارة، ويتمثل أحد المخاوف في احتمال أن يشكل هؤلاء المهاجرون منافسة في ميدان العمل تفضي الى هبوط في الأجور، فيما يتمثل وجه آخر للخوف من أن ينعكس ذلك على ميزانية الدولة التي تستقبلهم.

وبالنسبة الى الدفع يتعين على الشعب الألماني ألا يضطرب أو يقلق، لأن الدليل يشير الى وجود تأثير بسيط للاجئين على الجوانب المتعلقة بالتوظيف أو الأجور، ثم إن العمال غير المهرة والمهاجرين الحاليين هم الأكثر عرضة بسبب احتمال أن يحل القادمون الجدد محلهم، ولكن التأثيرات تظل طفيفة على أي حال، وعلى سبيل المثال فإن دراسة حديثة أجراها ستيفن نيكل من جامعة أكسفورد وجمانا صالحين من بنك انكلترا أظهرت أن الارتفاع الذي يبلغ عشر نقطة مئوية في حصة المهاجرين الذين يعملون في مهن وضيعة مثل التنظيف أفضى الى هبوط في أجورهم بنسبة 2 في المئة فقط.

تأثيرات جانبية إيجابية

وقد يكون لهذا الانخفاض في الأجور تأثيرات جانبية ايجابية، وقام مت فوغد وجيوفاني بيري بدراسة حول أوضاع اللاجئين الذين ذهبوا الى الدنمارك في الفترة ما بين سنة 1991 وسنة 2008 وتبين لهما أن تلك الموجة من اللاجئين لم تقلص فرص عمل السكان الأصليين من ذوي التعليم المتدني ولم تؤثر على وظائفهم، اضافة الى أن المواطنين المهجرين تحولوا الى وظائف تشتمل على قدر أقل من العمل اليدوي، وحدث ذلك في بعض الأحيان مع نيلهم رواتب أعلى.

ويضاف الى ذلك أن الدليل على التأثير المالي المحتمل لوجود لاجئين في البلاد كان أكثر غموضاً وضبابية، وذلك نظراً لأن اضافة الضرائب والمعونات التي يتلقاها كل فرد أو مجموعة تظل محيرة وغير جلية ومخادعة، كما أن اولئك الذين يقومون بمحاولة رسم صورة واضحة سوف يجدون فوارق بسيطة فقط بين المهاجرين وبين السكان الأصليين.

من جهة اخرى، عمدت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية – وهي مجموعة من الدول الغنية في معظمها – الى تقييم التأثيرات التي يتسبب بها وجود مهاجرين على الأوضاع المالية في الدول الأعضاء في المنظمة، وذلك في الفترة ما بين سنة 2007 و 2009 وقد تبين لها أن اولئك المهاجرين قدموا مساهمة مالية صافية بنسبة تقارب الـ 0.35 في المئة من الناتج المحلي الاجمالي بشكل متوسط، مع فارق ضئيل بصورة نسبية بين دولة واخرى.

التجارب الماضية

لكن التجارب المتعلقة بالمهاجرين في فترات سابقة قد لا تكون ذات فائدة كبيرة بالنسبة الى عملية تقييم التأثيرات الناجمة عن الموجة الجديدة من المهاجرين على أي حال، ويعود كون المهاجرين على شكل أعباء مالية في ألمانيا – بشكل جزئي – الى أن العديد منهم كانوا من فئة المتقاعدين الذين يسهمون في استنزاف الأموال العامة. أما بالنسبة الى القادمين الجدد – وعلى العكس من ذلك – فهم من شريحة الشباب ولديهم فترة عمل طويلة ومثمرة.

ويوجد أيضاً ما يعرف بالفوارق بين اللاجئين وبين المهاجرين الشرعيين، وتقول دراسة جديدة صدرت حديثاً عن صندوق النقد الدولي إن المهاجرين الحاليين الى القارة الأوروبية من أفغانستان واريتريا وايران والعراق والصومال وسوريا ويوغوسلافيا السابقة يمثلون وكلاء لآخر موجة من اللاجئين وذلك نظراً لأن معظمهم جاء من تلك الدول، وبالنسبة الى اولئك المهاجرين الآخرين من الدول المذكورة الذين أقاموا في أوروبا لفترات تقل عن 6 سنوات فإن الاحتمال أن تعتمد شريحة منهم تصل الى 17 نقطة مئوية على المعونات في دخلهم الرئيسي و15 نقطة مئوية أقل احتمالاً في الحصول على عمل، حتى بعد الأخذ بعين الاعتبار أشياء مثل العمر والتعليم والجنس. وتجدر الاشارة الى أن هذه الفجوة لا تنكمش مع طول اقامة المهاجر في أوروبا ولكنها تظل سارية بالنسبة الى اللاجئين الذين أقاموا لأكثر من عشرين سنة.

من جهة اخرى تشير هذه الحواجز الى أن فترة من الزمن سوف تمر قبل أن يبدأ هؤلاء اللاجئين بدفع المزيد على شكل ضرائب بقدر يفوق ما يتلقونه من دعم من الدولة، وقد تبين من دراسة حول لاجئين الى أستراليا أنهم دفعوا كمية من المال على شكل ضرائب تقل عن المبالغ التي تلقوها في صورة معونات خلال فترة اقامة استمرت بين 15 – 20 سنة.

الاختلافات الحالية

ويمكن طبعاً أن يختلف الحال تماماً بالنسبة الى القادمين الجدد الى أوروبا، والمعلومات عن مستواهم التعليمي نادرة، ولكن توجد أدلة على أنهم مهرة بشكل نسبي، ولكن على الرغم من ذلك وفي ضوء قيام معظم الدول الأوروبية بإعادة توزيع الدخل من الأغنياء الى الفقراء ما داموا أكثر فقراً من السكان الأصليين فإن القادمين الجدد سوف يحصلون على دفعات مالية.

موجة الهجرة الجديدة لن تكون مرهقة من الناحية المالية على أي حال، وحسب تقديرات صندوق النقد الدولي في الأجل القصير سوف يضيف اللاجئون حوالي 0.19 في المئة من الناتج المحلي الاجمالي إلى النفقات العامة في دول الاتحاد الأوروبي وتصل إلى 0.35 في المئة في ألمانيا خلال السنة الحالية، وسوف يرفع ذلك من معدلات الدين العام كما أن انتشار نسبة العاطلين عن العمل بين اللاجئين سوف يضاعف أزمة البطالة في الدول المضيفة.

ولكن التوقعات تشير الى أن اندماج اللاجئين في المجتمع في وقت لاحق سوف يسهم في تحسين الانتاج السنوي بنسبة 0.1 في المئة في دول الاتحاد الأوروبي بصورة عامة و0.3 في المئة في ألمانيا.