أدى سوء الإدارات والتقاعس عن حل المشكلات إلى تضخم الملفات الاقتصادية لكل من الأرجنتين واليونان وناورو، ما جعل خيارات الإصلاح لاحقاً مؤلمة أكثر ووفق سيناريوهات مضرة بالشعوب والحكومات معاً.

Ad

رغم دخول ازمة اسعار النفط شهرها الـ 20 وما صاحبها من اثر سلبي على ايرادات الكويت النفطية فإن البحث عن حل اقتصادي بات هو نفسه ازمة في الادارة قبل ان يكون ازمة اقتصادية.

ومع ان سوء التعاطي مع الازمات الاقتصادية اخطر من تلك الأزمات ذاتها فإن الادارة الحكومية في الكويت لا تزال متعثرة في ايجاد حلول منطقية ومقبولة لمخاطر تنامي العجز في الميزانية الذي يوازي نحو 67 في المئة من اجمالي المصروفات العامة، بل تعجز عن تقديم خطط واضحة للرأي العام بهدف الوصول الى حلول عادلة ومفيدة... ولعل هذا الارتباك في سوء الادارة يعيد الى الاذهان قصصاً محزنة لـ 3 دول في فترات زمنية متفاوتة كان من الممكن ان تتدارك اقتصاداتها من الانهيار لولا سوء ادارتها لملف الازمة الاقتصادية فكانت النتائج سيئة جدا.

المقارنة هنا ليست مع طبيعة الازمات الاقتصادية لكل من "الأرجنتين واليونان وناورو" مع أزمة الكويت الاقتصادية بل مع آلية سوء الادارات والتقاعس عن حل المشكلة حتى تضخم الملف فأصبحت خيارات الاصلاح لاحقا مؤلمة اكثر.

الأرجنتين... الثراء فالديون

بين عامي 1998 و2002 واجهت الأرجنتين أزمة اقتصادية خانقة نتيجة الركود الاقتصادي فوجدت الحكومة نفسها امام نمو قياسي في المديونية الخارجية التي قدرت بـ 132 مليار دولار، وكان عليها بعد ان افرطت في تلك الديون ان تواجه الدائنين، فاتجهت الى تخفيض النفقات اكثر من تركيزها على رفع الناتج المحلي الاجمالي، وخفضت قيمة العملة المحلية (البيزو) على نحو لافت، وباعت المؤسسات العامة الى القطاع الخاص، وبات هدف الدولة هو الحصول على الاموال بهدف سداد الديون المتراكمة وفوائدها مما انعكس على نمو لافت في نسبة التضخم، اثر سلبا على الاستقرار السياسي، اذ انتشرت عمليات النهب والقتال في الشوارع وانكمش الاقتصاد الأرجنتيني في هذه الفترة بنسبة 28 في المئة، كما وصلت نسبة الفقر بين الأرجنتينيين إلى 50 في المئة.

وربما يتساءل البعض: أين نجد ازمة الادارة في ملف بلد كالأرجنتين؟

الجواب يكمن في أن الارجنتين كانت في خمسينيات القرن الماضي واحدة من اغنى 10 دول في العالم بتفوقها في صناعة الشاحنات والبلاستيك والفايبر كلاس الى جانب الصناعات الثقيلة وتحقيق الاكتفاء الذاتي من المنتجات الغذائية، وبفضل ثروات طبيعية جيدة، الا انها شهدت على مدى سنوات نماذج من سوء الادارة والفساد ادت الى نمو حاد في الدين الخارجي لا تزال الارجنتين تدفع ثمنه حتى اليوم، لدرجة ان واضعي السياسات الاقتصادية لا هم لهم منذ 15 عاما الا وضع اليات واتفاقات بترتيب عمليات سداد الديون المتراكمة وفوائدها رغم كافة الصعوبات الاقتصادية.

اليونان... إهمال الأزمة

ربما لا توجد دولة في العالم اهملت ازماتها الاقتصادية حتى تنامت اكثر من الكويت إلا اليونان، فعلى مدى سنوات عانت المالية العامة في اليونان سوء آليات الصرف ما بين تركيز على الانفاق على الوظائف العامة وصفقات التسلح، فضلا عن الفشل في استقطاب الاستثمارات الاجنبية، بل ان اليونان تراجعت تنافسيتها في احد اهم مصادر دخلها وهو السياحة لمصلحة دول محيطة بها بسبب اهمال تحديث البنية التحتية.

وإضافة إلى ذلك فإن الادارة في اليونان عجزت تاريخيا عن خلق نظام شفاف لجباية الضريبة او تحقيق ايرادات تدعم الميزانية العامة... كل هذه المعطيات وضعت اليونان على حافة الافلاس، اذ اعتمدت على تجاهل ازمتها الاقتصادية عبر دعم انفاقها بالديون مع تقديم معلومات مغلوطة للبنوك والمؤسسات الاوروبية حتى بلغ حجم الدين العام إلى 313 مليار يورو لتسبب ازمة مالية واقتصادية في محيطها الاوروبي.

ناورو... النموذج المرعب

حجم الشبه بين الكويت وجزيرة ناورو الواقعة في المحيط الهادئ مخيف لدرجة كبيرة, فجزيرة ناورو كانت واحدة من أغنى دول العالم حتى قبل 30 عاما بفضل الثروة المفاجئة الناتجة من مناجم الفوسفات فعاش الشعب فيها حالة استثنائية من الترف والإنفاق الاستهلاكي وكانت الادارة فيها شريكة في تبديد الثروات والفوائض وعدم استثمار الثروة المفاجئة في صناعة اقتصاد مستدام.

وعندما نضب الفوسفات في ناورو تبدلت الاحوال تماما، فبعد أن كانت نسبة العاملين في الحكومة تصل الى 95 في المئة باتت نسبة البطالة تناهز 90 في المئة وانقلبت احوال سكان الجزيرة من الثراء الى الفقر مع تفشي الامراض وانتهى المطاف بجزيرة ناورو الى ان تحولت الى واحدة من اكبر شبكات غسل الأموال والتهرب الضريبي وخصوصا لرجال العصابات الروسية.

هل تنطبق النماذج؟

بالطبع النماذج الثلاثة اعلاه سوداوية، وليست كلها تنطبق تماما على الكويت لكنها تعطي دروسا لدولة تعتمد على مصدر دخل واحد هو النفط راكمت خلال سنوات الفوائض احتياطيات مالية تتجاوز 100 مليار دينار ولا تزال تعاني اختلالات رهيبة في اعداد الميزانية وتنويع الايرادات وتحفيز سوق العمل وخلق اقتصاد بديل وغيرها، ثم تقف عاجزة عن ايجاد حلول لأزمة اقتصادية متوقعة منذ سنوات طويلة مما يجعل الخوف من سوء الادارة اخطر من القلق من الازمة الاقتصادية نفسها.