إدانة جرائم الإرهاب بلسم على الجراح، واحتواء لتفاقم أجواء الكراهية، وإبراز للحس الإسلامي، وتجسيد لوحدة الصف، ولكن ذلك يبقى في إطار ردود الأفعال، والمطلوب من رجال الدين والإفتاء من جهة، ومن وسائل الإعلام من جهة ثانية، ومن الأجهزة الرسمية ومؤسسات الدولة بشكل خاص، ما هو أهم من إدانة الإرهاب.

Ad

مرة أخرى امتدت يد الغدر والإجرام لتستهدف المصلين العزّل في مسجد الإمام الرضا (ع) في منطقة محاسن بإقليم الأحساء في المملكة العربية السعودية الشقيقة، فأوقعت مجموعة من الشبان الأبرياء ما بين شهيد ومصاب، واخترقت هذه العملية الإرهابية أمن المملكة ونسيجها الوطني في فتنة متعمدة وخبيثة لتهييج الحالة الطائفية من جديد!

منطقة الأحساء تحديداً تتميز بالهدوء والاستقرار، وأهلها الكرام يضرب فيهم المثل في الأخلاق والتسامح والسلمية في علاقاتهم مع الآخرين، بل حتى مع الحكومة، ولعل هذا البعد الإيجابي هو أحد مقاصد الفكر التكفيري والإرهاب لإشعال نار الفتنة والكراهية بين المسلمين ومواطني البلد الواحد في جميع المناطق.

ردة الفعل التي تلت هذا الحدث المفجع كانت على قدر كبير من المسؤولية، سواء على مستوى الإعلام السعودي أو على صعيد الموقف الرسمي أو حتى المشاعر والعواطف الشعبية، وهذا ليس بغريب على الشعب السعودي الذي بات يدرك تماماً أن أمن بلده واستقراره وتمزيق الصف الداخلي هو الهدف الأساسي لهؤلاء القتلة والمجرمين، ولعل عناوين الصحافة التي تجسدت في عبارة "عظّم الله أجرك يا وطن" خير تعبير عن المشاعر والمخاوف الموحدة في عموم هذا البلد الشقيق.

لكن يبقى أن نقر بأن جريمة الأحساء وقبلها سلسلة التفجيرات التي تعرضت لها المساجد في القطيف والدمام وجيزان، بالإضافة إلى حوادث الإرهاب التي تتعرض لها المملكة في منشآتها أو رجال الأمن فيها، هي نتيجة وإن كانت مؤلمة ومزعجة.

أعجبتني تغريدة مختصرة ومعبرة في هذا الخصوص، مفادها أن وراء كل جريمة إرهابية فتوى من مشايخ الزور وأموال من رجال أعمال السوء، وسفيه من الشباب مغسول الدماغ، فالفكر التكفيري وإرثه الثقافي والعقول المتحجرة لبعض أدعياء الدين، والأموال الحرام التي جمعت من الصفقات المشبوهة التي ضحك فيها على الكثير من البسطاء باسم أعمال الخير، وأخيراً تجنيد الشباب وبيعهم الجنة وصكوك الغفران، هي الوعاء الخبيث لهذا الجنوح المتصاعد لأعمال الجريمة والتطرف.

إدانة جرائم الإرهاب وآخرها تفجير الأحساء بالتأكيد بلسم على الجراح، واحتواء لتفاقم أجواء الكراهية، وإبراز للحس الإسلامي، وتجسيد لوحدة الصف، ولكن ذلك يبقى في إطار ردود الأفعال، والمطلوب من رجال الدين والإفتاء من جهة، ومن وسائل الإعلام من جهة ثانية، ومن الأجهزة الرسمية ومؤسسات الدولة بشكل خاص، ما هو أكبر وأهم من إدانة الإرهاب متى ما وقع، وهذه الجهات بلا استثناء يفترض أن تنبري لإدانة فكر الإرهاب وثقافة التطرف وفتاوى التكفير وتعزيز الوحدة الوطنية، وهذا جهد لا شك بحاجة إلى جرأة وشجاعة، أما طريقها واستراتيجيتها فهي جلية وواضحة، وتزخر بها شريعتنا من فكر التسامح والسلام، ولا تحتاج سوى إلى قرار ورجالات يعتمد عليهم في الصدق والمصداقية.

إن حالة العزاء في الأحساء يراد منها ذر الرماد في العيون، وخلق أجواء الفتنة وتوجيه الأنظار نحو الطائفية، فشعار التكفيريين وتهديداتهم لم تفرّق بين الشيعة والسنّة، وهدفهم المعلن إزاحة الحكام أياً كانت انتماءاتهم واستبدالهم بأمراء الحرب والجهاد الذين زاد عددهم بشكل كبير، ولعل المناصب المتاحة في عموم العالم الإسلامي لن تكفيهم!