أوه «يا مال»!

نشر في 07-04-2016
آخر تحديث 07-04-2016 | 00:01
 مسفر الدوسري هو أشهر من سكب البحر في قلوبنا من خلال  "يا مال" معبّء بالملح والجرح ليغرق بنا وجعاً نطرب له!، ومن خلال "زهيرياته" التي تجعل صدورنا عندما كنا صغارا صناديق أخرجت من مغارة علاء الدين، مملوءة بكل كنوز البحر من لؤلؤ وحدائق مرجان، هو الفنان سليمان الموسى، ملك غناء "الزهيريات" في الخليج، ونجمها الأوحد منذ السبعينيات الميلادية حتى الآن، لم يأت بعده من أجاد أكثر منه أداء هذا الفن من الغناء، علماً بأنه غنى أغنيات أخرى خارج إطار الزهيريات وأبدع فيها، ولاقت نجاحاً كبيراً، إلا أن الفنان سليمان الموسى بقي وفيّاً لفن "الزهيريات"، وبقي هذا الفن توأم اسمه وقريناً له!

لصوته سحر نايات توقظ ثعابين الشجن في مساءاتنا القديمة لترقص، كان لصوته طعم آهة ترفأ جرحها، حتى وإن لم نكن في ذاك العمر قد جربنا آلام الجروح، إلاّ أننا أحسسناها وتهجأناها جيداً من خلال مدرسة الفنان سليمان الموسى، كما كنا نتعلّم أحاسيسنا ونختبرها من خلال فنانين آخرين تميزّوا في حفر مشاعرنا على جدران القلب لنحفظها!

لم يكن صوته وجمال أدائه هما فقط السببان اللذان جعلاه يتربع عرش "الزهيري"، ولكن حسن اختياره "للزهيريات" وموضوعها ليتناسب مع وجع لا تعرف مصدره يسرّبه الصوت من خلال مسام الروح!

اختفى عن  الساحة الفنية فجأة، اختفى وهو مازال يقطف ثمار نجاحاته فيها، قيل حينئذ إن التجارة سرقته من الفن!

توقف عن الفن تماماً أو كان أشبه بذلك، لم تُسمع له أغنية جديدة منذ ذلك الحين، إلا أنه مازال حتى اللحظة يلقّب بملك "الزهيريات"، ولم يذكر غناء "الزهيري" في أي مناسبة إلا وذُكِر اسم الفنان سليمان الموسى "فرض عين" في ذلك الذِّكْر!

في منزل صديق مشترك التقيت الفنان سليمان الموسى، وجها لوجه أمام تلك القامة الفنية القيّمة، والتي لها من ذكرياتي المبكرة الكثير، رجل قد جاوز السبعين ربما، يحمل وجهه ابتسامة وقورة لا تكاد تفارق ملامحه، وخلال لحظات بسيطة أزال بإنسانية صادقة دهشة فرحي به، وهيبة لقاء الذين لهم قيمة إنسانية كبرى في روحي، خلال لحظات بسيطة فقط نشأت بيننا محبّة وكأنما أعرف هذا الرجل منذ كل السنين، جميل المعشر، لطيف الحديث، مطّلع، لا يفقد خيط الأدب حتى بالنكات التي كان يرويها إذا ما استدعى الموقف أحياناً، لم يفقد محبته للحياة برغم من أنها في مرحلة ما أثناء اعتزاله الفن كسرته كسراً لم يمته، ولكنه سلب روحه المعنوية لسنوات طويلة، وعادت على يد صديقنا المشترك الذي نحن في منزله:

"ردّ لي روحي"!

 يقولها لي فناننا في أذني لي همساً بامتنان بالغ، وشكر صادق، وبرغم أن تلك الحياة سلبت روحه المعنوية، فإنها لم تستطع أن تسلب منه اثنتين: روح الفنان، ومحبته لها!

هذا الفنان الذي ردّ فرد من بلده "روحه المعنوية له"، لماذا لا ترد بلده "قيمته الفنية" له؟! خصوصاً أنه وثّق نوعاً من أنواع الفلكلور الغنائي بتقنية تسجيل حديثة مقارنة بتسجيلات ذلك الوقت، وصوت جميل!

back to top