أزمة الأحزاب السياسية العربية
مفهوم الحزب يتمحور حول نخبة لديها الوعي السياسي تتبنى مبادئ تسعى إلى تحقيقها، وبعضها يمكن اعتباره فكراً أيديولوجياً، ولما كانت الجماهير بمجموعها لا تؤثر في أوضاع مجتمعاتها إلا عن طريق الانتظام في قوى سياسية تسمى أحزاباً فإن التجربة في المجتمعات المتقدمة وغيرها قد شهدت هذه الظاهرة ودور بعض الأحزاب الإيجابي مثل أحزاب الدول الغربية المتقدمة، ودورها السلبي في دول العالم الثالث ومنه الوطن العربي، فالفشل والنجاح لا يتعلقان بفكرة الحزب بل بالممارسة ومستوى الوعي والفعل السياسي، وينسحب ذلك على فكرة الديمقراطية التي هي مشروع اليوم في عدد من الدول ومشروع الغد في الوطن العربي.وبدراسة تاريخ الأحزاب السياسية في الوطن العربي يمكن القول إن تجربتها كانت فاشلة في الممارسة، على الرغم من التضحيات التي قدمها بعضها لدولها، فقد أدت دوراً مهماً في عدد من الدول العربية في مرحلة الاستعمار في مرحلة ما بين الحربين العالميتين حتى بداية الاستقلال، لكنّ كثيراً منها كانت ممارساتها عنصرية وطائفية ومصلحية، وقليلا منها كان إيمانها خالصاً للمبادئ ومصلحة الأوطان ولم يكن هدفها السلطة. وبقراءة فاحصة لدور الأحزاب السياسية التي وصلت إلى السلطة نكتشف أنها كانت دكتاتورية أكثر من الأنظمة السابقة لها، حتى إن عدداً من المثقفين والمواطنين عموماً يترحمون على الأنظمة السابقة حتى تلك التي كانت في فترة الاستعمار.
لقد بدأ الوعي السياسي لدى النخبة العربية المتعلمة والمثقفة في نهاية الدولة العثمانية، وفي بداية عهد الاستعمار في الوطن العربي، وتأطر ذلك في أحزاب سياسية مثلت تيارات سياسية وفكرية قومية ويسارية وليبرالية ودينية كانت محدودة زاد عددها في فترة التحدي، وزيادة هامش الحرية في بعض الدول. وعلى الرغم من اختلاف توجهاتها فإن البيئات الاجتماعية والثقافية والسياسية السائدة كانت مؤثرة في سلوكها ونهجها بطابعه العنصري والطائفي العام.وإن المشكلة الأساسية كانت تكمن في جدلية ذات اتجاهين: اتجاه يرى أن ممارسة الضغط على السلطة السياسية لتحقيق الإصلاح السياسي حسب رؤاه، واتجاه كان ولا يزال يسعى إلى تغيير السلطة لتنفيذ برنامجه وأجندته، كما أن هذه الأحزاب العربية لم تكن لتؤمن بثقافة الحوار، فهي تنادي بالحرية والديمقراطية وأغلبها أبعد ما يكون عنهما في الممارسة العملية، وكذلك تفتقد الوعي بأهمية التحالف في عمل جبهوي، خصوصا في الدول التي تواجه تحديات كبرى كالقضية الفلسطينية لا سيما القوى والأحزاب في التيار الواحد، إنها حالة من التشظي والتشرذم تدل على قصور في الوعي السياسي. نعم هناك دول وسلطات لا يفيد معها الإصلاح ولا بد من التغيير، لكن هناك دول تحتاج إلى الإصلاح ومواجهة الفساد فيها لا التغيير، لكن المشكلة تكمن في فكر قوى الإصلاح والتغيير وممارستها.لقد نجحت إنجازات دستورية وسياسية مهمة في عدد من الدول العربية، لكن الصراع الإثني يعرقل التطور، وبعض الدول العربية ليس لديها قانون للأحزاب، ولا تنص دساتيرها على ذلك، فالمشكلة ليست في فكرة الحزب بل في الممارسة، إذ تقدم بعض الأحزاب السياسة كتكتيك على الفكر الاستراتيجي والمبادئ في حين العكس هو الصحيح، وبدون شك هناك أناس معادون لفكرة الحزب على الرغم من علمهم بوجودها في السر، إما لجهل سياسي أو لغرض في نفس يعقوب. والخلاصة أن تكون هناك أحزاب مقننة علنية أفضل من ألا تكون أو يكون وجودها سرياً وغير قانوني، وعلينا أن نفكر في هذا الموضوع مبكراً، فهو مرحلة من التطور السياسي لا بد منها.