يدرك المعنيون في بغداد أن إصرار مقتدى الصدر على تنفيذ أول اعتصام من نوعه أمام بوابات المنطقة الخضراء مقر الحكومة في بغداد، لا يحمل أي معنى للتراجع في ملف الخلاف بشأن التعديل الوزاري بين حلفاء النجف من جهة، وحزب "الدعوة" من الجهة الأخرى، وسط مخاوف من أن يستغل رئيس الحكومة حيدر العبادي، المنتمي لهذا الحزب، هذه المناسبة للهيمنة على الملفات المهمة وإقصاء أطراف الائتلاف الحكومي الذين جاؤوا به إلى السلطة.

Ad

لكن لا أحد تحدث صراحة عن موقع رئيس الحكومة مثلما فعل وزير النفط عادل عبدالمهدي، الذي يعد سليلاً لبورجوازية العهد الملكي وأبرز قيادي في المجلس الأعلى الإسلامي، ومفكراً اقتصادياً براغماتياً، حيث تحدث في مقاله اليومي، أمس، عن خيارات النظام السياسي إزاء التطورات الحالية قائلاً إن هناك سيناريوهين: الأول، التعديل الوزاري الجزئي الذي يقترحه العبادي، والذي أكد عبدالمهدي أنه "لن يجيب عن أسئلة ومعنى الإصلاحات المطلوبة، وسيدخلنا في جدل بلا نهاية".

ويشرح القيادي البارز في "المجلس الأعلى" أن المشكلة ليست في أشخاص الوزراء الـ 12 الذين يشغلون مناصبهم منذ ١٨ شهراً، والذين لا يتحملون أخطاء عمرها ١٣ عاماً من إدارة الدولة. ويسأل في هذا السياق: "ما الفرق بين رئيس الحكومة ووزرائه، ولماذا يبقى هو في منصبه، بينما يتغير الوزراء"؟

أما عن الخيار الثاني، وهو استقالة العبادي، فيقول وزير النفط، إنها أمر يقود إلى حكومة تصريف أعمال، ثم اختيار مرشح جديد للكتلة النيابية الأكبر، وهذا أمر "يضع القطار على السكة مجدداً، ويخفف الفراغ والقلق، ويسمح بالتغيير في النهج والأشخاص".

ويرفع عبدالمهدي درجة الصراحة في النقاشات التي تشغل الطبقة السياسية العراقية بشأن التداعيات المحتملة للاعتصام الذي يشكل حتى الآن أتباع الصدر وأنصار الحزب الشيوعي، ضد مؤيدي حزب الدعوة بزعامة نوري المالكي رئيس الحكومة السابق خصوصاً، والميليشيات المقربة من قاسم سليماني جنرال حرس الثورة.

وبهذا يمكن تسجيل أول اقتراب واضح في هذه الأزمة بين رئيس المجلس الأعلى الإسلامي عمار الحكيم وتيار مقتدى الصدر، وسط إشارات عن أنهما يتحركان على وقع "رضا خفي" من المرجعية الدينية في النجف.

لكن هذا لا ينهي المخاوف من حصول صدام بمستوى معين، خصوصاً بعد أن اتضح أن العبادي جمد قائد عمليات بغداد، الفريق الركن عبدالأمير الشمري، لأنه لم يطلق النار على المتظاهرين عند اقتحامهم حاجز التفتيش الرئيس على نهر دجلة المؤدي إلى مقر الحكومة، أو لم يحاول إيقافهم بجدية.

وقد تتعزز احتمالات حدوث صدام ما، بعد فشل واضح في الاجتماع الذي دعت إليه رئاسة الجمهورية، وضم الرئاسات الثلاث وقادة الكتل النيابية، لكنه لم يتمخض عن شيء سوى تأييد العبادي ضد معارضيه النجفيين، وفق مصادر أكدت أن هذا هو الذي يقف وراء انسحاب عمار الحكيم غاضباً من اللقاء، بعد أن كان يأمل أن يلمس بعض التراجع من حزب "الدعوة" إزاء مطالب شركائه في الائتلاف الحكومي.