لم يكن من المفيد دخول الإضراب مرحلة «كسر العظم»، لأن الخسارة باتت عامة على مختلف الأطراف.

Ad

انفض إضراب العاملين في القطاع النفطي، الذي استمر 3 أيام، ليكشف عن فشل متعدد في عملية إدارة الأزمات لجميع أطراف النزاع فيه، وهي مجلس الوزراء، ومؤسسة البترول، ونقابات النفط.

فقد تعاملت الأطراف مجتمعة مع المسألة على قاعدة "كسر العظم"، وليس إيجاد حل يحمي أهم قطاع في الدولة من دخول معركة تصادمية المنتصر فيها خاسر، خصوصاً أن الإضراب أدى إلى هبوط لافت في العمليات تراوح بين 50 و60 في المئة من إجمالي الإنتاج، و50 في المئة من قدرة تكرير المصافي، فضلاً عن إغلاق مصنع الأسمدة لتمويل احتياجات الطاقة الكهربائية، وهو ما أدى إلى خسائر قدرها مجلس الوزراء بـ20 مليون دينار يومياً.

فشل حكومي

على المستوى الحكومي تمثل الفشل في إدارة الأزمة بعدم تدارك مجلس الوزراء تنظيم الإضراب رغم تهديد النقابات به قبل 5 أيام من تنظيمه، إلى جانب التركيز على الحلول القانونية والعقابية الخاصة بتجريم الإضرابات، رغم أن الحكومة ذاتها سبق أن تفاخرت في المحافل الدولية بتمكينها النقابات، خلال سنوات سابقة، من تنظيم إضرابات عمالية، خصوصاً في القطاع النفطي، ونتج عن السلوك الحكومي ارتباك تجلى في تعامل وزارة الشؤون وهيئة العمل، فمن توجهات الحل إلى الإحالة للنيابة، إلى تشكيل لجنة تتولى التعامل مع الإضراب، فضلاً عن رفض الدخول في مفاوضات، كان يمكن أن تنهي الإضراب منذ اليوم الأول، وهذا ما لم يحصل.

كذلك كان التعامل الحكومي مع الإضراب بالتلويح بجلب عمالة خارجية لتشغيل عمليات الإنتاج والتكرير خالياً من المنطق، فلا توجد شركات نفط لديها فوائض في العمالة كي تستغني عنها، إضافة إلى أن مدة الإضراب مهما طالت فلن تتجاوز أياماً معدودة، فضلاً عن صعوبة تجاوز الاشتراطات التأمينية بشأن المصرح لهم بتشغيل العمليات في القطاع النفطي.

انحياز المؤسسة

وعلى مستوى مؤسسة البترول، التي كان من المفترض أن تكون حلقة الوصل بين النقابات ومجلس الوزراء للوصول إلى تفاهمات تقلل من الضرر، دخلت كطرف لمصلحة الجبهة الحكومة ضد النقابات، ما أدى إلى تفاقم الأزمة، إذ أصدرت قرارات تتعلق بمزايا العاملين، رغم الاتفاق على عدم إصدار أي قرارات جديدة، بل إن العديد من قيادات الإضراب كانوا يعتبرون أطرافاً في المؤسسة جزءاً من عملية التأزيم في القطاع، وأن أحد الحلول تتركز في إقالتهم، وهذا أمر ما كان ليحدث لو لعبت المؤسسة دور الوسيط أو حلقة الوصل في القطاع لتلافي تطور الأمور نحو الأسوأ.

كذلك أوضح انخفاض الإنتاج وعمليات التكرير، خلال الإضراب، محدودية قدرات المؤسسة وشركاتها التابعة في التعاطي مع حالات الطوارئ، رغم أن الفترة ما بين التهديد بالإضراب وتنفيذه كانت 5 أيام، الأمر الذي يثير تساؤلات عن مدى قدرة المؤسسة على التعامل مع الحالات الطارئة غير المتوقعة.

ارتباك النقابات

على الصعيد النقابي كان هناك العديد من الملاحظات، من بينها سوء تعاطي اتحاد عمال البترول والنقابات التابعة مع الأزمة، فلم يكن هناك داع لتصعيد الإضراب إلى مرحلة "الشامل والكلي"، في وقت كان يمكن الرهان على الإضراب الجزئي بشكل متصاعد لتسويق المطالب، وإقناع الرأي العام بوجهة نظرهم، ولم يكن الحديث عن خسائر الدولة لـ12 مليار دينار خلال الإضراب صحيحاً من الناحية الحسابية، ولا موفقاً على صعيد كسب تعاطف الرأي العام، إضافة إلى عدم وضوح المطالب الخاصة بالإضراب، إن كانت تتعلق بالبديل الاستراتيجي ورفض الخصخصة ومزايا العاملين، أم أنها تنحصر في رفض البديل الاستراتيجي فقط، وهي عوامل جعلت الإضراب تحت رحمة مجلس الوزراء ومؤسسة البترول بدلاً من أن يكون أداة ضغط بيد النقابات.

وحتى أسباب إلغاء الإضراب لا تزال غير معلومة حتى اللحظة، ولا أحد يعلم إن كانت النقابات حققت مطالبها أو جزءاً منها، أم أنها لم تحقق أي مطلب على الإطلاق.

البديل الاستراتيجي

الحديث عن سوء التعاطي من مختلف الأطراف في ملف الإضراب يجر إلى الحديث عن البديل الاستراتيجي، الذي يجب الاعتراف بأنه مهما كان مهنياً وجيداً إلا أنه أيضاً لا يتجاوز كونه سياسة "ترهيم"، أو في أفضل الأحوال "ترميم" لخلل سابق فادح يتعلق بالكوادر والزيادات غير المحسوبة اقتصادياً ولا وظيفياً لمختلف القطاعات في الدولة، وبالتالي لا يجب التعامل مع مشروع البديل بوصفه نصاً جامداً لا مجال لمواءمته مع طبيعة كل قطاع، خصوصاً "النفطي" الذي يمكن أن يطبق عليه بشكل جزئي أو تدريجي متى ما اجتمعت نوايا وأفعال أطراف النزاع لإيجاد حل يخرج القطاع من أزماته المتوقعة.

الأهم في موضوع البديل الاستراتيجي هو أن يكون داعماً لسياسات الإصلاح الاقتصادي، وأن يتجاوز هدفه تحقيق العدالة بين موظفي الدولة، ليكون عاملاً من جملة عوامل لإصلاح سوق العمل، وألا يرتبط بالأموال فحسب، بل يتم توجيهه نحو توفير فرص عمل في القطاع الخاص لتحقيق أهداف الاقتصاد التي تتبناها الدولة ولا تطبقها.

إضراب القطاع النفطي كشف عن اختلالات عميقة في سياسات وتنفيذ مختلف أطراف النزاع، فكل من حسب حساب الربح سيكتشف مع الوقت أنه لا يزال في خانة الخسارة.