حتى نهار أمس الأول، ساد شعور بأن رئيس الحكومة العراقية حيدر العبادي لن يدخل في خلاف كبير مع مقتدى الصدر، أحد الداعمين الأساسيين للحكومة، حتى إذا كان الجمعة الماضي قد شهد تظاهرة حاشدة في بغداد أطلق فيها زعيم التيار أقسى التهديدات، وحتى لو ردّ العبادي في اليوم الثاني بشكل بدا جافاً، وذلك إثر خلاف حاد بشأن تعديل وزاري مقترح بقوة.

Ad

ويرجع ذلك إلى أن العبادي والصدر يحتاج كل منهما إلى الآخر في ملفات كبيرة، أهمها مواجهة الميليشيات التي تقضم من نفوذ الدولة، ولم يجرؤ أحد على مواجهتها بالأفعال والأقوال سوى العبادي والصدر، سواء في بغداد أو خارجها. كما أن العبادي والصدر إضافة إلى عمار الحكيم يمثلون الجناح الموصوف بالاعتدال في السياسة الشيعية، تمييزاً له عن جناح اليمين المتشدد بزعامة نوري المالكي وأمراء الميليشيات. فهل يتحمل الشيعة انقساماً آخر داخل جناح الاعتدال بسبب التعديل الوزاري؟

لكن الأمر أصبح أكثر جدية حين أصدر زعيم التيار بياناً أعلن فيه نقل التظاهرة الحاشدة من ساحة التحرير وسط بغداد، إلى الضفة الأخرى من دجلة على بوابة المنطقة الخضراء مقر الحكومة، في خطوة غير مسبوقة، إذ لم يحصل أن وصلت تظاهرة حاشدة إلى هذا المكان على الإطلاق، وظلت قوات الأمن تقطع الطرق إليه منذ احتجاجات 2011.

ويريد العبادي إجراء تعديل وزاري لإصلاح الكابينة، وليستبدل الوزراء الحزبيين بـ»خبراء تكنوقراط». ويقول له الحكيم والصدر، إنهما جاهزان لذلك، لأن الإصلاح مطلب الجميع، والغضب الشعبي يتفاقم أمام انهيار اقتصادي يكبر بنحو متسارع بسبب انخفاض أسعار النفط وفاتورة الحرب، لكن الصدر يريد ضمانات بعدم تحول وزراء الحكومة إلى مجرد خريجي جامعات ينقادون سياسياً إلى العبادي، وهو الخاضع جزئياً لحزب الدعوة جناح نوري المالكي صاحب الخصومة المعروفة مع الحكيم والصدر.

ولذلك يشترط الأخير لجنة من خبراء وأكاديميين مستقلين يقومون باختيار الوزراء، كنوع من إحراج العبادي والضغط عليه، لإخراجه من نفوذ حزب الدعوة وإبقائه قريباً من البيوتات الدينية الملتفة حول المرجع الديني علي السيستاني.

ولا أحد يعرف حتى الآن ما إذا كان العبادي قادراً على المضي حتى النهاية في تحدي حلفائه الشيعة، وليس أمامه حينئذ إلا الخضوع الكامل لطهران أملاً بدعمها، لأن واشنطن التي تدعمه من المستبعد أن تصبح طرفاً في نزاع داخل فريق النجف، أما الصدر والحكيم فيمكنهما الذهاب إلى النهاية وبناء تحالفات مع السنة والأكراد تخلق انشقاقاً كبيراً في حزب الدعوة الذي ينتمي إليه العبادي والمالكي، وقد ينتهي الأمر بمرشح جديد لرئاسة الحكومة، لأن حزب الدعوة فشل منذ 11 عاماً في إدارة البلاد، والأولى أن تبدأ الإصلاحات به وبممثليه، كما يقول كثيرون.

إلا أن بعض أنصار الصدر يقللون من احتمال وصول الأمر إلى صدام كبير، قائلين إن نزول الصدريين إلى الشارع نوع من تحصين الحراك الشعبي ومنع الميليشيات الموالية لإيران من ركوب موجته.