المبالغة في تقييم إعادة توازن الاقتصاد الصيني
أمام الاقتصاد الصيني تحديات كبيرة تتطلب تغييرات في التدفقات المالية وسوق العمل وثقافة العمل التجاري، ويجب منح البنوك حرية إقراض الشركات الصغيرة والمتوسطة، بدلاً من المشاريع الضعيفة التقليدية.
يتسم الطرح المتعلق بالاقتصاد الصيني بالموضوعية، وصحيح أن ثاني أكبر اقتصاد في العالم يتجه نحو أبطأ وتيرة له طوال عقود، ولكن مع الهبوط في ميادين الاستثمار والتصنيع – وهي بشكل تقليدي المحرك الرئيسي وراء نمو الاقتصاد الصيني – بدأ الاستهلاك المحلي وكذلك قطاع الخدمات يلعب دوراً مهماً، فلأول مرة شكل قطاع الخدمات أكثر من 50 في المئة من الناتج المحلي الاجمالي في السنة الماضية.ومن شأن اعادة التوازن هذه أن تدفع الصين نحو نموذج نمو أكثر استدامة، كما أن شركات الاقتصاد الجديد في التقنية والرعاية الصحية والتمويل ومبيعات التجزئة غدت أكثر انتاجية وأقل تلويثاً من الصناعات المسببة للتلوث.ثم إن الاستهلاك القوي (ازدادت حركة القطارات بنسبة 10 في المئة نتيجة انفاق المواطن الصيني بقدر أكبر على رحلات الترفيه بينما تضاعف نشاط شبكات الانترنت) يعتبر أساسياً من أجل اخراج الاقتصاد من حالة التشبث بالاستثمار، ومع قيام الميادين غير الانتاجية مثل مناجم الفحم ومعامل الفولاذ بتسريح عمال يتعين أن يتم تعويض ذلك الانكماش من خلال قطاع الخدمات الذي يتطلب درجة كبيرة من العمالة.نقاط الألم في الصينوعلى أي حال فإن نظرة عن كثب الى المعلومات تظهر صورة مختلفة وأكثر قتامة، وإذا نظرنا الى قطاع السفر نجد أنه بينما حققت حركة القطارات ارتفاعاً بشكل اجمالي فإن عوائد المسافرين نمت بنسبة 3.1 في المئة فقط خلال سنة 2015.والأكثر من ذلك، فإن من الأهمية بمكان أن نتذكر أن 11 في المئة فقط من الرحلات تتم عبر الخطوط الحديدية (والرحلات الجوية الدولية التي نمت بنسبة 34 في المئة في العام الماضي تغطي 0.2 في المئة فقط من الرحلات)، كما أن الأكثرية العظمى من الرحلات جرت عبر الطرقات البرية وقد تراجعت في سنة 2015 بشكل فعلي.وبالمثل انخفضت مبيعات متاجر التجزئة المئة الأكبر في الصين – والتي يتوقع أن تزدهر في حال اعادة التوازن الاقتصادي – بنسبة 0.1 في المئة في السنة الماضية. وقد تأثرت بشدة الماركات الفاخرة (ويرجع ذلك على وجه التحديد الى الحملة المستمرة ضد الفساد) كما استقرت أو تراجعت مبيعات السلع الاستهلاكية الأساسية مثل أجهزة التلفاز والثلاجات والغسالات. نمو قطاع الخدماتوحقق قطاع الخدمات نمواً ثابتاً وأكثر سرعة من قطاعي التصنيع والعقارات، ولكن معظم ذلك النمو جاء عبر قطاعين فقط، الأول هو قطاع الخدمات المالية الذي نال دفعة قوية من ازدهار سوق الأسهم في النصف الأول من سنة 2015 ومن استمرار تدفق الاقراض مدفوعاً بتشجيع من قبل حكومة بكين، وإذا استبعدنا المساهمة التي حققها هذا القطاع فسنجد أن الاستهلاك استمر في التباطؤ في السنة الماضية.ويمكن القول بكل تأكيد إن انطلاق فقاعة الأسهم أفضى الى تعطيل النمو الاقتصادي كما هو الحال بالنسبة الى القروض المتعثرة التي ذهب العديد منها الى شركات الصناعات الثقيلة الخاسرة. وفي حقيقة الأمر، فإن البنوك الصينية قد أسهمت في مزيد من تأخير عملية اعادة التوازن في البلاد.قطاع النقل والخدمات اللوجستيةالقطاع الآخر الذي حقق أداء جيداً كان اللوجستي والنقل، ويرجع ذلك في الأغلب الى فورة التجارة الالكترونية، ويهرع المستهلك الى الحصول على أسعار أقل وخيارات أوسع توفرها مواقع اون لاين وأفضى ذلك الى توسع لافت في أعمال «علي بابا» والشركات المنافسة.وعلى الرغم من ذلك فإن هذا الطلب الجديد والانتاج والمبيعات الاجمالية للبضائع الاستهلاكية لم تحقق درجة عالية من النمو، ويشير ذلك الى أن باعة التجزئة أون لاين إنما يسرقون ببساطة حصة السوق دون تعزيز النمو.وتعلم الحكومة أنها في حاجة الى عمل المزيد من أجل تحسين اعادة التوازن بشكل حقيقي، وتبرز الخطة الاقتصادية الرسمية لعام 2016 الحاجة الى خفض التكلفة والضرائب من أجل تحفيز وتشجيع الانفاق، كما تدعو الحاجة الى مزيد من العمل بغية خلق شبكة أمان اجتماعي، ولذلك فإن الصينيين لن يضطروا الى حفظ وفوراتهم من أجل المستقبل، ويتعين أيضاً تقليص الروتين الحكومي من أجل تمكين رجال الأعمال من اطلاق شركات خدمات جديدة.إن التحديات كبيرة على أي حال سوف تتطلب احداث تغييرات في التدفقات المالية وسوق العمل وثقافة العمل التجاري، ويجب منح البنوك حرية مزيد من الاقراض الى الشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم بدلاً من المشاريع الضعيفة المملوكة للدولة التي كانت بشكل تقليدي الزبائن المألوفين لتلك البنوك. ويحتاج العمال الى اعادة تدريب كما أن العديد من وظائف قطاع الخدمات – مثل التقنية والتمويل – تتطلب مهارة ليست متوافرة لدى عمال المناجم المسرحين.وفوق ذلك كله، يتعين على الدولة تسهيل الأعمال الخاصة بدلاً من التخطيط لمشاريع عامة كانت بشكل تقليدي المحرك وراء النمو الاقتصادي، وقبل أن تتمكن الصين من الانتقال الحقيقي الى نموذج نمو جديد يتعين أن تبتعد الحكومة عن الطريق.