يبشرنا كل مسلسل لبناني جديد بأن الدراما اللبنانية متمسّكة بالعبارة العسكرية أو الرياضية {مكانك راوح}. والمراوحة هنا تشمل أيضاً تخبّطاً بين أعمال مقتبسة من مسلسلات أجنبية ({متل القمر}) تظهر علينا فجأة بقصص أقرب إلى الفضاء منها إلى مجتمعنا وقضايانا، وأعمال إن نجحت في الإمساك بالقصة المناسبة تظل ضعيفة لناحيتي الأداء والإنتاج. ولما كانت المسلسلات الجيدة لا تتخطى أصابع اليد، فإن ممثلين كثيرين اتجهوا إلى المسرح أو إلى الأعمال العربية المشتركة.

Ad

ما زلنا في انتظار تلك {النقلة النوعية}التي يعدنا بها صانعو الدراما في لبنان، عند الحديث عن مسلسل مقبل يعدّون له. وهذا اللاتقدّم المستمر تؤكده الممثلة ورد الخال، مشيرة إلى أن عوامل عدّة تُبقي مسلسلاتنا متراجعة مقارنة مع الدراما العربية عموماً، انطلاقًا من محدودية الإنتاج، ومن نوعية القصص والنصوص. وتقول في هذا الشأن: {في حين يرى البعض أن الدراما اللبنانية في مرحلة تقدّم، أراها متراجعة، ذلك لأن لا جديد نقدّمه على صعيد المضمون، لأن الصانعين إمّا يقتبسون وإمّا يكررون شخصيات سابقة، في حين يجب مواكبة تطوّر المجتمع، خصوصاً أن الأجيال الناشئة أوعى من جيلنا، وبالتالي لا ترضى بأي موضوع مطروح في المسلسلات}.

وتصف الخال توافر دور جميل في مسلسل محلي متكامل بـ{ضربة حظّ} بالنسبة إلى الممثل اللبناني في وقت نشهد فيه عجزاً في كتابة مضمون يحاكي هذا الجيل وأفكاره وتطلعاته ومشكلاته حسب رأيها، وتضيف: {ولا ننسى افتقار بعض الكتّاب إلى النضج الكافي والدقة في معالجة المواضيع، كي يصدّقنا الجمهور. مسلسل {عشق النساء}مثلاً ضم قصصاً من الحياة وعالج الحب بوجوهه المختلفة بواقعية وهذه هي نوعية الأعمال المطلوبة}.

اعتزال مشاهدة التلفزيون

إزاء الحالة السيئة التي لا تنفك تعانيها الدراما اللبنانية، أعرض عم مشاهدتها بعض أبناء الصناعة نفسها، وأبرزهم برناديت حديب، إذ تشير أنها ومنذ فترة لا بأس بها اعتزلت متابعة الأعمال التلفزيونية عموماً والدرامية خصوصاً، لذا تجد نفسها غير قادرة على الحكم من دون المواكبة، وتقول: {أسمع آراء من حولي وألمس ردّ الفعل عمّا يُعرض، ووجدت أن ثمة أعمالاً قيّمة وأعمالاً دون المستوى، لكننا نحتاج إلى جهد إضافي بعد}.

وعن مكامن الضعف في الدراما المحلية تشدد على أن الدراما التلفزيونية صناعة يجب أن تتكامل عناصرها لئلا تبقى ضعيفة، بدءاً من النصوص التي لا تشبهنا أبداً ولا تحاكي واقعنا بل تمّ إسقاطها علينا، مروراً بمسلسلات متشابهة في القصّة ومواقع التصوير، ليقتصر التغيير على صعيد الممثلين، حسب رأيها. وتضيف في هذا المجال: {لدينا مشكلات اجتماعية كبيرة جداً بعيداً من المخدرات والدعارة والطبقة الأرستقراطية. وثمة قسم من المجتمع مهمّش درامياً، وهذا أمر غير صحّي. فضلاً عن أن ثمة محطات غير مكترثة بتسليط الضوء على مشكلات مجتمعنا وهمّها الوحيد عرض المفاتن وإظهار أن حياتنا الاجتماعية رائعة في البلد، وهذا أمر غير صحيح}.

حديب التي تشارك في مسرحية {غرام أو انتقام} راهناً، تؤكد أننا عندما نشعر بأن أعمالنا لا تواكبنا اجتماعياً يحصل الشرخ بيننا وبينها، وتفقد بالتالي قيمتها.

المعالجة والكميّة

{الاقتباس} أيضاً وأيضاً، يبدو مرض الدراما الشاغل في نظر مخرجين وكتّاب كثيرين، من بينهم المخرج سمير حبشي الذي يستغرب الاقتباس في الدراما المحلية من أعمال مختلفة عن واقعنا بقصتها ولا تحاكي مشاكلنا وهمومنا. ويوضح قائلاً: {يمكن الاقتباس من عمل نستطيع زرعه في أرضنا ولبننته، إنما ليست كل الأعمال مناسبة للاقتباس لأن ثقافتنا مختلفة عن الغرب. صحيح أن المواضيع الإنسانية متشابهة في مضمونها، لكنها مختلفة في الشكل وفي طبيعة المعالجة. مثل الحبّ الذي هو شعور موّحد بين الشعوب إنما التعبير عنه وطريقة عيشه مختلفان من مجتمع إلى آخر}.

وعمّا إذ كان يؤيّد تقديم كمّ من الأعمال تمهيداً للوصول إلى النوعية يقول: {لماذا نقدّم أعمالاً رديئة ما دمنا نستطيع تقديم أعمال نوعيّة؟ ثمة معايير وعناصر عدّة لنجاح العمل أولها الموضوع المعالج، ومن ثم السيناريو والفريق المنفّذ وهوية المخرج والممثلين، فضلاً عن طريقة التحضير وكلفة الإنتاج. فتأمين عنصر واحد على حساب العناصر الأخرى لا يكفي، بل يجب أن تتوافر كلها بنوعية جيّدة، ما يؤدي إلى تقديم عمل نوعي}.

مناضلة

واصفة نفسها {بالمناضلة والمدافعة عن الدراما اللبنانية}، تؤكد نهلة داود الممثلة أنها أيضاً متابعة مستمرة للأعمال المحلية المعروضة من دون استثناء، وهي تجد أن ثمة أعمالاً جميلة وأخرى سيئة، وتفاوتاً في مستوى التنفيذ، لذا يترواح النقد بين الإيجابي أو السلبي. وتذكر: {يتمتّع الممثل اللبناني بمقومات كبيرة لكنه احتاج سابقاً إلى إنتاج ضخم، لذا استطاع عند فرصة المشاركة في الإنتاجات العربية الضخمة سواء المصرية أو السورية إثبات أن العناصر اللبنانية تأتي في الطليعة}.

وعمّا إذا كانت ترى نبضاً جديداً في الدراما المحلية، تقول: {ثمة جيل جديد وثمة من يبحث عن التجديد، فيما يعتاد آخرون على نمط جديد انطلاقاً من الأعمال العربية المشتركة. نحن في مرحلة انتقالية فإن لم تحقق الدراما المحلية نفسها عندها لكل حادث حديث}.

أما بياريت قطريب فترى أن رهجة الأعمال المحلية خفّت بسبب الأعمال العربية المشتركة، مؤكدة أن استمرارية الأخيرة غير مكفولة. بالتالي، يمكن أن يطالب الجمهور مجدداً بأعمال محلية صرف. وتعترف الممثلة بأن بعض المنتجين اللبنانيين يقدّم أعمالاً عربية مشتركة بتمويل ضخم بدلاً من دعم الأعمال المحلية، وتقول: {العمل العربي المشترك بطاقة رابحة تؤمن مردوداً مادياً، لا سيما أنهم يفكرون بالمنحى التجاري أكثر من القيمة الفنية للعمل}.

وعن عدم ملامسة بعض هذه الأعمال للواقع تذكر: {تتضمن مسلسلات أموراً لا يمكن أن تحصل حقيقة في مجتمعنا، من هنا نطرح علامة استفهام حول استمراريتها!}.