جورج خبّاز: شعرة تفصل الرقيّ عن الابتذال

نشر في 22-02-2016 | 00:00
آخر تحديث 22-02-2016 | 00:00
No Image Caption
للسنة الثانية عشرة على التوالي، يستمر الكاتب والمخرج والممثل جورج خبّاز في تقديم أعماله المسرحية الكوميدية بعيداً من الابتذال واللعب على الغرائز والكلام، مكتسباً، على مدار هذه السنوات الطويلة، ثقة الجمهور اللبناني ومحبته. إضافة إلى عرض المسرحية الجديدة {مع الوقت... يمكن} يعمل على نصّ فيلمه السينمائي الثاني بعد {غدي}.

حول المسرحية والفنّ تحدث إلى {الجريدة}.

 ما أبرز محاور مسرحية «مع الوقت... يمكن»؟

تتمحور حول كاتب أفلام فاشل، ينتقم عبر نصوصه من ماضيه ومن والدته التي غادرت المنزل عندما كان صغيراً ومن القصص المثالية التي سردتها له، إلى أن يقع في الحب ويغيّر رأيه بأمور حياتية عدّة. كذلك تطرح مسألة الوقت وغربلة الزمن لكل شيء كونه الحكم الحقيقي، فتحكي عن أهمية اللحظة التي يجب ألا تكون على حساب الماضي أو المستقبل، لأن الأول مضى والثاني مجهول.

لماذا تولي أهمية للوقت والزمن؟

أعيش في صراع دائم مع وقت المدى القصير، فيما أعتبر أن الوقت في المدى الطويل هو العدالة بحدّ ذاتها، فأنا أؤمن بالزمن وأعتبره يد الله. ثمة جملة في المسرحية بما معناه «لا يمكن أن تكذب على الوقت فهو يمون على الخالق، والزمن كفيل بالغربلة مهما كنت أو من تكون».

ما الإضافة التي تحققت في هذا العمل؟

تحوي المسرحية فانتازيا فتظهر أمام الكاتب الشخصيات المكتوبة على الورق، ووضعنا شاشة سينما على المسرح نتذكر من خلالها أفلاماً مرت في تاريخ السينما الغربية، وتؤثر في الكاتب الذي يحاول تطبيقها في حياته. من هنا تحوي المسرحية عناصر جديدة، مع الحفاظ على المقومات القديمة والشروط المتعارف عليها في مسرحي، أولها محبة الناس. أضفت عمقاً في تركيب الشخصيات، بشكل يُظهر الانفصام بين التقاليد والحرية، المبادئ والغريزة، العقل والقلب.

هل نعاني فشلا على مستوى الكتابة الدرامية والسينمائية في لبنان؟

الكتابة الدرامية والسينمائية فاشلة في معظمها وقلة ناجحة، من هنا نشهد أزمة على صعيد السيناريو في البلد، لأن النصوص سطحية تستخفّ بالعقول وتعالج القشور بشكل غير منطقي وساذج لدرجة مخيفة.

هل كتبت هذه المسرحية انطلاقاً من هذا الواقع؟

أبداً، هذا السيناريست فاشل لأن الجمهور يفضّل القصص العامة المشتركة فيما هو يقدّم له قصصه الشخصية جداً، إضافة إلى أنه لجأ إلى الفن للانتقام وليس لأنه فنان حقيقي.

إلام تستند في كتابة الشخصيات المركّبة، إلى أبحاث خاصة أم إلى معالجين نفسيين؟

أملك مكتبة كبيرة ومراجع أستند إليها في أبحاثي الخاصة، مع توافر الإنترنت بات الإطلاع على المعلومات سهلاً. أحبّ علم النفس وأقرأ كتباً كثيرة في هذا الإطار، وأحب الغوص في البعد الإنساني أو النفسي، ما يفيدني في عملي ويساعدني في كتابة شخصياتي على بنية متينة.

كوميديا الموقف

شخصياتك أقرب إلى الواقع أو إلى الخيال؟

تنطلق من الواقع مطعّمة بالخيال لتصبح لعبة مشهدية لا أكثر ولا أقل.

تعاونت مع ممثلين كثر خارج فرقتك المسرحية، على أي أساس تختارهم؟

لغاية الآن، شارك معي طلال الجردي، كارلوس عازار، هند باز، فيفيان أنطونيوس، جويل بويز، وسام صبّاغ، سينتيا كرم، مي سحّاب. أختار الممثل المناسب في المكان المناسب، لذا عندما أكتب شخصية لا تلائم أيّ فردٍ من فرقتي، أختار شخصاً من خارجها، وفي هذه المسرحية انضمت إلينا ناتاشا شوفاني.

كوميديا الغريزة واللعب على الكلام المبتذل رائجة، سواء في المسرح أو التلفزيون، فيما تقدّم ما يليق بكل أفراد العائلة، كيف تحقق ذلك؟

ثمة شعرة تفصل بين الرقيّ والابتذال في أنواع الكوميديا، كوميديا الموقف والنقد والحركة واللعب على الكلام، ويعود ذلك إلى البعد الثقافي والموهبة اللتين يملكهما الكاتب ليحقق ذلك. أقدّم هذه الأنواع كلها برقيّ، وألعب على الكلام بطريقة ذكية ومنطقية، وعلى الحركة بطريقة مدروسة بعيداً من التهريج، وأقصد أن يكون النقد بنّاء لا جارحاً كي لا يشعل الغريزة السياسية والاجتماعية. كوميديا الموقف التي هي من أرقى الأنواع وأصعبها، تحتاج إلى حبكة وشخصيات وديكور صحيح، فأؤّمن لها هذه الأمور كافة.

تقتصر الكوميديا التلفزيونية على «اللايت كوميدي» ولم ترقَ إلى مستوى أبعد بعد، إلام تعزو ذلك؟

رغم أنّ ما يُعرض كوميديا لذيذة، فإني أطمح إلى أن تبلغ مرحلة أبعد بعد، لكنها للأسف محصورة في الـ «لايت كوميدي» أو في الاسكتشات السياسية، وهما برأيي جزء بسيط من الكوميديا. أرغب في تقديم كوميديا تحاكي الناس ووجعهم وهمومهم وجدلياتهم من دون الدخول في زواريب السياسة، كي لا يفنى العمل مع انتهاء المرحلة السياسية.

يعني أن ابتعادك عن السياسة يجعل مسرحياتك صالحة لكل زمان ومكان؟

صحيح، أطرح مواضيع ستبقى هاجساً لدى الناس، وأسئلة مشتركة لا تتغير على مدار الأزمنة، فعندما ندخل في التفاصيل والقشور، مثل السياسة، نخنق العمل ونجعله آنياً.

ألا تستحق الأزمات السياسية، مثل الفراغ الرئاسي وملف النفايات، الإضاءة عليها؟

طبعاً، إنما لا أسلّط الضوء عليها بل أجعلها جزءاً من البعد الثاني في المسرحية.

هل ثمة توقيت معيّن لطرح موضوع قبل آخر؟

أبداً، أكتب ما أرغب في قوله وفق مزاجيتي وإنسابية الكتابة.

كيف حققت استمرارية مسرحك طيلة هذه الأعوام، في ظل غياب النشاط المسرحي في لبنان؟

يشعر المشاهد بالانتماء إلى العمل، وبأنه لغته ولسان حاله، ويعبّر عن أفكاره، فضلاً عن أن ثمة نصوصاً تحاكي هواجس الناس وأدبياتهم، وهم يتماهون مع الشخصيات التي تحكي لغتهم. إضافة إلى ضوابط المسرح، أي احترام عقل الجمهور وتربيته وحيائه، وثقة الأخير بأن هذا العمل يحترم حضوره ولا يستخف بعقله، وهذه الثقة المتبادلة مستمرة منذ 12 سنة.

المجتمع وثقافة الفنان

طالما تستوحي أعمالك من المجتمع، كيف تقيّم مستواه على الصعيدين الثقافي والأخلاقي؟

نلحظ تحسنّاً على الصعيد الثقافي، أما على الصعيد الأخلاقي، فالواقع مخيف عموماً من دون أن يخلو الأمر من أشخاص خلوقين. نشهد فقداناً للقيم ما ينعكس خطراً على الأخلاق.

ما الذي يؤدي إلى فقدان القيم؟

هي عملية تراكمات واستسلام واقتباس ثقافات لا تشبهنا، إضافة إلى لامبالاة إنسانية وإلى ظروف محيطة بنا تفقد الإنسان قيمته، فنرى مشاهد الذبح على التلفزيون من دون أن يرفّ لنا جفن. لقد بلغنا مرحلة متقدّمة من القساوة.

ما أهمية أن يتمتع الفنان، سواء كان كاتباً أو ممثلا أو مخرجاً، بحدّ أدنى من الثقافة؟

لا يكفي الحد الأدنى، بل يجب أن يملك حداً أقصى من الثقافة. في الوسط الفني، ثمة أساتذة في الثقافة إنما ثمة أكثرية إمّا تدّعي الثقافة أو لا علاقة لها بها.

هل من مشروع سينمائي جديد بعد نجاح فيلم «غدي»؟

أحضّر مشروعاً جديداً مع فريق «غدي»، أي المنتج غبريال شمعون والمخرج أمين درة، وهو من نوع الكوميديا السوداء لم أعنونه بعد.

التلفزيون

هل من عودة إلى الدراما بعد مسلسل «القناع»؟

كلا.

ما الإضافة التي حققتها بفضل التلفزيون لا المسرح؟

لا أنسى فضل التلفزيون الذي حقق لي انتشاراً واسعاً، خصوصاً من خلال «عبدو وعبدو» الذي شكّل نقلة نوعية لي وللمسلسل التلفزيوني عموماً. أشعر بنشوة معنوية وسعادة لا توصف على خشبة المسرح، فيما تنقلنا السينما إلى المهرجانات وإلى العالمية... بصراحة أنا فرح بكل منبر من هذه المنابر.

back to top