عندما يبادر رئيس وفد النظام السوري بشار الجعفري لـ"مفاوضات"! جنيف إلى القول بأن هدف هذه المفاوضات والعملية السياسية كلها هو تشكيل حكومة وحدة وطنية تضم المؤيدين والمعارضين والمستقلين بقيادة الرئيس بشار الأسد فهذا يعني أنَّ القرار، بالنسبة لهذا النظام ومعه الروس وأيضاً إيران، متخذٌ سلفاً، وأن هؤلاء ضد كل ما تم الاتفاق عليه في "جنيف الأولى"، مروراً بكل المحطات اللاحقة ومن بينها قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254 الذي نص على مرحلة انتقالية، وعلى تشكيل هيئة حكم تأخذ البلاد إلى حلٍّ فعلي يضع حداً لهذا الصراع الدامي ويجنب سورية التشرذم والانقسام.

Ad

ولعل ما يؤكد هذا الاستنتاج أنَّ وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف قد سارع إلى اتهام المعارضة السورية، بعد قرار تعليق مشاركتها في مفاوضات جنيف، بأنها لا تملك الرؤية السياسية، وأن "الهيئة العليا" لا تمثل كل قوى وتشكيلات المعارضة، وهنا فالمعروف أن روسيا، ومعها نظام بشار الأسد وإيران، قد سعت منذ البدايات رغم موافقتها على بيان "جنيف 1" إلى "تلغيم" المعارضين الفعليين والحقيقيين بأطراف وهمية وبمجموعات تابعة لمخابرات بشار الأسد وببعض اللاجئين السياسيين إلى قاعدة "حميميم" التي أقامتها روسيا كأكبر قاعدة لها على شواطئ البحر المتوسط بالقرب من اللاذقية.

وهكذا بات مؤكداً وواضحاً أن الروس يتحدثون عن الحلول السياسية وفقاً لـ"جنيف 1" وما تبعها، لكنهم يعملون ضدها، ولقد ثبت أن الانسحاب الذي أعلنوا عنه قبل فترة كان مجرد مسرحية هزلية، فعملياتهم العسكرية، الجوية والبرية أيضاً، لا تزال مستمرة ومتواصلة وبوتيرة أكثر كثافة من الوتيرة السابقة، وكل هذا بينما لم يكن هناك أي التزام لا من قِبَلهمْ ولا من قبل النظام، وأيضاً ولا من الإيرانيين ولو بالحدود الدنيا من الهدنة التي تم الاتفاق عليها بين روسيا والولايات المتحدة، والتي جرى اختراقها منذ اللحظة الأولى.

ولهذا لن يكون هناك أيُّ التزام من هؤلاء، أي الروس والنظام والإيرانيين، لا بـ"جنيف 1" ولا باتفاقات "فيينا"، ولا بقرار مجلس الأمن رقم 2254، حتى وإنْ استؤنفت هذه المفاوضات المتعثرة الوهمية تحت ضغط الولايات المتحدة وتحت ضغط روسيا ما لم تستجد متغيرات فعلية على الأرض في ميادين المواجهة لمصلحة المعارضة السورية والجيش الحر، وباقي الفصائل المقاتلة، وهذا يتطلب دعماً عسكرياً فعلياً من الأميركيين والأوروبيين والدول العربية المعنية، وبخاصة في مجال الصواريخ المضادة للطائرات التي لا تزال ممنوعة ومحرمة على هذه المعارضة.

أمّا أنْ تُترك المعارضة السورية لتواجه هذا التحالف الشيطاني، الذي تقوده روسيا، بلحْم كوادرها ومقاتليها، فإن هذا سينعكس على كل ما يجري في هذه المنطقة بأسرها، وبالتالي لن يكون هناك أيُّ حلّ للمشكلة اليمنية ولا للأزمة العراقية المتفاقمة، ولا للحرب الدائرة والمحتدمة في سورية، وسيصبح المجال مفتوحاً لإيران للمزيد من التمدد الاحتلالي حتى في بعض الدول العربية الإفريقية التي يسود اعتقاد خاطئ بأنها ستبقى بمنأى عمّا يقوم به الإيرانيون في اليمن ولبنان والعراق وسورية، وفي منطقة الخليج العربي!