فلتكوني بخير

نشر في 11-04-2016
آخر تحديث 11-04-2016 | 00:00
 فوزية شويش السالم أن تعرف إنساناً إلى هذه الدرجة التي تُدرك فيها أدق إيماءاته والتفاتاته وطريقة تفكيره ولغة جسده وتعبيراته اللغوية حتى مفرداته، يصعب أن تفصل حكمك عما تقرأه من كتاباته، خاصة عندما تعيش معه وتعرف كل تفاصيل حياته المهنية وطريقة أدائه فيها، كل هذه المعارف تصعب عملية الفصل بين من تعرفه عن قرب ومن تعرفه على الورق، فكيف بالإمكان الكتابة عما يكتبه، وهو ماثل أمامك في كل تفاصيله التي تعرفها ولا تستطيع فصلها عما تقرأه له، هذا ما يواجهني حين أقرأ للكاتبة الصحافية والناشطة في العمل التطوعي الإنساني أروى الوقيان، التي هي بمثابة ابنتي وأعرفها تمام المعرفة، وأقرأها حتى أعماقها، وأجد من الصعوبة تقييم عملها بحياد عن عواطفي مهما حاولت ذلك، لأنها تستحق أن أكتب عنها بحياد صادق لأنير وأضوي على كتابتها في مجال العمل التطوعي الإنساني.

أروى اختارت مجالاً في الكتابة لا يشبه أحداً، وهذا بحد ذاته يعتبر تميزاً في الاختيار أن تكتب في مجال شبه نادر، والتخصص في رأيي يعطي الكاتب مكانة خاصة به وحده ويضعه في مطرح قد لا يشاركه به أحد.

الكتابة في مجال التطوع للعمل الإنساني قليلة في العالم كله، وشبه معدومة في العالم العربي والخليجي على وجه الخصوص، ولو تخصصت أروي بهذا الشكل الكتابي فسيكون هو طريقها ورمزها وخصوصية أسلوبها، لكنها في كتابها الثاني الذي لم تحدد صفته وتصنيفه على غلافه الخارجي، حيرتني بالفعل، فهو ينطوي على حكاية ولكنه ليس برواية، وإن كانت قد أتت بتقنية الرسائل لتحمل عليها تجاربها الواقعية عن العمل التطوعي الإنساني الذي تمارسه في حياتها، والذي أرادت أن يكون كأنه رواية تروى عن طريق الرسائل التي يرسلها فارس الذي يعمل مراسلاً في العمل التطوعي عبر المواقع الخطيرة، وهو السبب الذي يجعل حبيبته ريم تهجره لأنها لا تريد أن تعيش حياة الانتظار والخوف والقلق على حياته، فتهرب من حبها له، لتدرك في نهاية الحكاية، حين ينهار مسجد الصادق في الكويت على المصلين بفعل التفجير الإرهابي ويكون زوجها ضمن القتلى، أن القلق والخوف من المخاطر لا يعني بالضرورة حصولها، وأن الموت يأتي حتى في بيت الله الآمن.

أروى سجلت رسائل فارس التي كان يرسلها إلى حبيبته من كل مخيم ومعسكر وملجأ وميدان، يبث بها حبه وأشواقه لها وعدم قدرته على نسيانها بالرغم من انقطاع العلاقة، وبذات الوقت يخبر القارئ عن نوع مهمته والغرض منها، ومن هذه الرسائل كتبت أروى كتابها هذا الذي يصعب تصنيفه، فهو ليس بمذكرات ولا كتاب رسائل فقط، لأنها اختارت له أيضاً حكاية حب مليئة بحوارات مطولة لم تنسجم مع روح وجوهر وغاية الكتاب ذاته، فالهدف في الأساس هو توصيل تجربة الكاتبة في العمل التطوعي الإنساني، وكنت أتمنى لو أنها كتبت شخصيتها الواقعية وما واجهته من تحديات ورفض وصعوبات واجتيازها لها بقدرة وتفوق، ولو فعلت لكانت هذه الواقعية بحد ذاتها مفتاحاً للنجاح في مجال تجربة عمل كتابي ليس له شبيه، بدلاً من شخصية فارس وقصة حبه التي أعاقت سيرها الطبيعي، ولم أجدها مناسبة للنص خاصة تلك الحوارات العاطفية التي كانت متطفلة عليه ولم تضف له أي بريق كان، خاصة أن الكتاب مليء بإضاءات تجارب معرفية رائعة مثل حكاية الفتاة التي تعاني إعاقة ذهنية، وتخلى عنها أهلها في مستشفى وهربوا منها، قصتها تدمي القلب، كما كتبت أروى عنها: "تعيش حصة حياة شبيهة كثيراً بالغابة ولربما أخطر من الغابة، فالوحوش البشرية تلك التي قد لا ترحم طفولتها متواجدون بشكل يومي حولها، ونحن نقف ولا نستطيع أن نحرك ساكنا، قد نراهم ينهشونها دون أن نملك حق حمايتها.. لمن تلجأ؟ وكيف تستطيع الدولة أن تحميها؟ أسئلة لم أجد لها اجابات".

وهذه هي أروى الإنسانة تكشفها جملتها: "هل شعرت يوما أن شبعك ظلم؟ هكذا ستشعر في جيبوتي وأنت تلمح هذه الوجوه والأجساد الهزيلة، لن أتحدث عن فقر عادي، وجوع طبيعي، هنا ستصاب بالدهشة من فرط الفقر وفرط تعودهم عليه، اعتياد الشقاء، بات أسلوب حياة للإفريقيين، ما عرفوا من الحياة سوى المعاناة والضنك".

back to top