اعتاد الأكراد العراقيون، طوال العامين الماضيين، تأخرَ رواتبهم شهرين أو ثلاثة، بسبب نقص حادٍّ في السيولة بالإقليم المتمتع باستقلالية كبيرة عن بغداد، عرضته لقطع حصته من الموازنة المالية الاتحادية، لكن الحرب المفاجئة مع «داعش» وفاتورتها الثقيلة، وانهيار أسواق النفط الذي تعتمد منطقة شمال العراق على تصديره (نحو 700 ألف برميل يومياً عبر تركيا)، جعلا الكوادر التدريسية في كردستان تتسلم نصف راتب متأخر أربعة أشهر، في سابقة خطيرة تعني أن الانهيار الاقتصادي لن يتوقف عند حد.

Ad

وتعاني كل بلدان النفط أزمات كبيرة، إلا أن العراقيين سيكونون أبرز نموذج للمشكلة بسبب الضعف الشديد في بنية الدولة والقوانين ومناخ العمل، أما إقليم كردستان العراق فهو أول منطقة عراقية تشهد عجز الحكومة عن دفع الرواتب بهذا الوضوح، إلى درجة تسليم نصف راتب!

وفي اجتماع لمجلس الوزراء الكردي الخميس الماضي، تحدث رئيس الحكومة نيجيرفان البرزاني بصراحة نادرة، كأنه يهيئ الشعب لتقبل حقائق أكثر قسوة، واختصر الأمر بأن في وسع بغداد كممثل للدولة أن تستدين أو تصدر سندات مالية حكومية، أو حتى تقوم بطباعة العملة كما فعل صدام حسين أثناء العقوبات الدولية، بينما كردستان كإقليم ضمن العراق لا يمتلك صلاحية ذلك.

وفي اللحظة ذاتها كان قوباد ابن الرئيس العراقي السابق جلال الطالباني، يجلس في الاجتماع متحدثاً عن معطيات تؤيد هذا الموقف، بينما شنّت أحزاب المعارضة، وعلى رأسها حركة التغيير (غوران)، هجوماً على حزبي البرزاني والطالباني الرئيسيين، مطالبة بشفافية في ملف عوائد النفط والاتفاقات مع الشركات الأجنبية، «لأن على الشعب أن يعرف كي يتحمل الأزمة مع الحكومة»!

ولا تقتصر المشكلة على القطاع الحكومي، لأن الوكالات والشركات خففت نشاطها التجاري كثيراً بعد ظروف الحرب مع «داعش» صيف 2014، ثم بسبب تضاؤل القدرة الشرائية للمستهلك الكردي، ما تسبب في عبء إضافي على الحكومة التي تعاني أساساً من رحيل المستثمرين الكبار، ومجيء نحو مليوني عربي سني هاجروا من نينوى والأنبار وتكريت بسبب الحرب، ولم يتوجهوا إلى المناطق الشيعية بسبب مناخ الانقسام الطائفي، وحصلوا على استقبال مناسب في كردستان رغم الأزمة.

وقال البرزاني: «نحن وحيدون جداً بلا أي سند، رغم أننا نقاتل داعش نيابة عن العالم كله».

ويقول ساسة أكراد، إن أميركا تقدم مساعدات عسكرية فقط للإقليم الكردي، وتمتنع عن دعمه مالياً بقروض أو هبات اقتصادية، لأنها لا تريد تشجيع أربيل على المضي في الاستقلال عن بغداد أكثر فأكثر أو التفكير في إعلان الدولة الكردية.

لكن الاضطرابات والاحتجاجات التي حصلت نهاية العام الماضي بسبب تأخر الرواتب في السليمانية، ثم تكررت قبل يومين في «دربنديخان» شمال السليمانية، تتعرض إلى تسييس كبير وستصبح جزءاً من الصراع المتنامي على السلطة في الإقليم، وهو ما يعزز المخاوف من أن يؤدي هذا إلى شرخ في جبهة القتال مع «داعش»، التي يقودها شباب قوات «البيشمركة» رغم تأخر رواتبهم عدة أشهر.