التعميم الذي أصدرته النيابة العامة، على خلفية صدور الحكم الصادر من المحكمة الدستورية بتاريخ ٢٥ نوفمبر الماضي بعدم دستورية الفقرة التي قصرت حق الطعن أمام محكمة جنح التمييز على الأحكام الصادرة بعقوبة الحبس من محكمة الجنح المستأنفة، هو تعميم جانبه الصواب، من حيث ما خلص إلى النتائج التي انتهت إلى حرمان النيابة العامة نفسها من ممارسة حق التقاضي أمام دائرة جنح التمييز.

Ad

الحكم الصادر من المحكمة الدستورية انتهى إلى عدم دستورية فقرة الحبس التي كانت تقيد حق المتقاضين معاً ادعاء (نيابة وتحقيقات) ومتهماً، في الطعن أمام محكمة جنح التمييز، إلا اذا كانت الأحكام الصادرة أحكاماً بالحبس، بينما كان النص قبل الحكم ينتهي الى حرمان أطراف الدعوى من الطعن على الأحكام الصادرة بعقوبات ليست بالحبس، أو حتى الادعاء العام في حال البراءة، ولما كان الحكم الصادر من المحكمة الدستورية قد أزال تلك الفقرة، واعتبرها كأن لم تكن من ضمن المادة ٢٠٠ مكرر، وهو ما يعني جواز الطعن على الأحكام الصادرة من محكمة الجنح المستانفة أمام محكمة التمييز، أيا كان الحكم الصادر من محكمة الجنح المستأنفة، وذلك لأن ما علق عليه الطعن بالتمييز قد أزيل ولم يعد له أساس، وهو ما يعني قيام من له صفة ومصلحة في الطعن، كان ادعاء أو متهما على الأحكام الصادرة أمام محكمة جنح التمييز، ويراعى بذلك الميعاد والرسوم المقررة للطعن، والقول بغير ذلك يعني وضع قيد جديد لم يأت به النص، بعد زوال القيد الذي كان موجودا، علاوة على أن الحكم الدستوري لم يأت بتلك النتيجة!

والقول الذي خلصت إليه النيابة العامة في التعميم رقم ١-٢٠١٦ الصادر منها بعدم الطعن منها على الأحكام الصادرة من محكمة الجنح المستأنفة الصادرة بالبراءة، على سند من أن الأحكام التي عرضت على محكمة التمييز كانت تتصل بعقوبة الغرامة المقضي بها، ومن ثم فإن الحكم اجاز الطعن على الاحكام الصادرة، كانت بالغرامة او الحبس- هو قول يتناقض مع العقل والمنطق القانوني، ولا يمكن التسليم به، لاسيما أن الآثار التي ترتبها أحكام المحكمة الدستورية ذات حجية مطلقة وليست نسبية، كما أن الحكم الصادر عندما تصدى لنظر طعن أصلي أو مباشر كان مبنيا على تمسك الطاعن بأن العقوبة المحكوم بها من الحكم المستأنف هي عقوبة الغرامة، وأن النص استلزم أن يكون الحكم الصادر حتى يتمكن من الطعن أمام محكمة التمييز هو عقوبة الحبس، ما يعني أن ذلك القيد يمثل إخلالا لحق التقاضي، وأن المادة مايزت بين الحقوق فيما بين المحكوم عليهم بالغرامة او الحبس، وبالتالي فتصدي المحكمة للنزاع الموضوعي وصولا منها الى الحكم بعدم دستوريته لإزالة ذلك القيد من ذات المادة، وليس فقط إزالة أثره على العقوبة التي أوردها على النزاع المعروض بالعقوبة المحكوم بها، وهو ما يعني أن أثر الزوال ينفذ في مواجهة كل من يريد الطعن على الأحكام الصادرة من محكمة الجنح المستأنفة، وكأن فقرة الحبس التي قصرت الطعن أمام التمييز غير موجودة ويكون النص باقيا من بعد الحكم الصادر من دونها، وهو ما يعني تباعا جواز الطعن على الاحكام الصادرة من محكمة الجنح المستأنفة، بعد إزالة فقرة الحبس ومنها جواز الطعن على كل أحكام الإدانة بصورها المتعددة والمختلفة بدءا من الغرامات والتعهدات والإزالات والإغلاق والحبس من قبل المحكوم عليهم، وكذلك احكام البراءة من قبل جهة الادعاء العام ممثلة بالتحقيقات والنيابة، والقول بأن ذلك الطعن مقصور على احكام الإدانة، وليس البراءة، هو قيد جديد أوقعت النيابة العامة نفسها فيه، لم يأت به القانون ولم يقرره الحكم الصادر من المحكمة الدستورية، وهو ما يوجب عليها مراجعة موقفها خصوصا أنها الامينة على الدعوى الجزائية وتمثل المجتمع، وهو ما يتطلب منها الطعن على الأحكام الصادرة ببراءة المتهمين طالما انتهت الاحكام الى خطأ في تطبيقها أو قصورها بالتسبيب، أو حتى لبطلانها!

ليس كل ماسبق من ملاحظات هو ما يشوب التعميم الذي انتهت إليه النيابة فحسب، بل أنه انتهى الى نتيجة متناقضة عندما اوصى بالطعن على الأحكام الصادرة من محكمة الجنح المستأنفة اذا كان الحكم الصادر بها بالغرامة او الحبس، وكأن التعميم يسمح للنيابة بالطعن على الأحكام الصادرة من محكمة الجنح المستأنفة لتشديد العقوبة، في حين انه يحرمها من الطعن على الاحكام الصادرة بالبراءة، وهو أمر يتناقض مع الغاية من تقديم الطعون، فإن كانت النيابة حرمت نفسها من الطعن على أحكام البراءة كيف لها ان تطلب الطعن للتشديد، وهي بذات الوقت لا تملك المطالبة بتوقيع العقوبة على المتهمين مجددا بعد صدور الحكم ببرائتهم من محكمة الجنح المستأنفة!!

وعلى الرغم من عدم إلزام الادارة العامة للتحقيقات بالتعميم الصادر من النيابة فإن النيابة أيضا ليست ملزمة قانونا بالتعميم الصادر منها وإمكانها مراجعة موقفها بعد قراءة الحكم الدستوري، على نحو أوسع وأشمل، وهو أمر لا يعيبها، خصوصا أنها عودتنا على بيان الموقف القانوني المهني والمتزن بقيادة النائب العام المستشار ضرار العسعوسي.