ما زال مشروع "القرية التراثية"، الذي يقع على الخليج العربي، امتداد شارع عبدالله الأحمد، في طي الكتمان، كغيره من المشاريع المنسية، حيث كان من المقرر أن يسلم في أواخر عام 2007.

Ad

وسط المشاريع العملاقة التي تغزو مناطق العاصمة، يقبع مشروع "القرية التراثية" ساكنا منذ سنوات، رغم أن عقد تنفيذه، الذي أبرم في نوفمبر 2004 حدد موعد اكتمال المشروع عام 2007، ما يعني أن موعد التسليم تأخر 9 أعوام حتى الآن، بينما لم ينجز شيء من المشروع، ويعني ايضا انه في حال استئناف العمل حاليا فإن إتمام القرية لن يكون متاحا قبل 2019.

حكاية القرية التراثية تشبه إلى حد كبير حكاية عدد كبير من المشاريع المعطلة أو المتأخر تنفيذها لأسباب كثيرة، يندرج الإهمال وعدم المحاسبة في مقدمها.

وفي إطلالة على تفاصيل المشروع وتطوراته يتضح أنه تلبية لرغبة سامية في تطوير شارع عبدالله الأحمد، الواقعة به قطعة أرض بمساحة تقارب 82 ألف متر مربع، تقرر إقامة قرية تراثية في قلب مدينة الكويت، وفي موقع مطل على الخليج العربي وعلى نقعة الشملان المشهورة، تحاكي تاريخ الكويت في منطقة بات يغلب عليها طابع الحداثة والعصرنة.

واستنادا الى المشروع الذي تقرر تنفيذه بنظام BOT، من خلال القطاع الخاص، فقد بلغت القيمة المقدرة له 22 مليون دينار، كما تقرر انجازه كاملا في نوفمبر 2007، علما ان كل يوم تتأخر الشركة في تسليمه تفرض عليها غرامة مالية تقدر بـ1800 دينار.

واعتبر المشروع عند طرحه من أهم وأبرز المشاريع التنموية والاستثمارية بالكويت، كما كان يلقى قدرا فائقا من اهتمام الحكومة، لما يمثله من قيمة ثقافية وتراثية وسياحية كبيرة، كونه علامة من علامات الكويت البارزة، حيث يشكل هذا المشروع نموذجا مصغرا لمدينة الكويت في الماضي، مع توفير كل الخدمات المتطورة والتكنولوجيا الحديثة.

ويقوم المشروع على فكرة خلق مدينة كويتية تراثية تمثل الماضي الكويتي وتجسد مكوناته التاريخية، مع الاخذ في الاعتبار الاهتمام بالتكنولوجيا الحديثة، بحيث لا تؤثر على شكل ومضمون المشروع، وتقوم فكرته الاساسية على اعادة احياء تلك البقعة من مدينة الكويت بنفس الشكل المعماري وبنفس التنسيق العمراني لمدينة الكويت القديمة في عصر سور الكويت الاول.

وحرصت الشركة التي فازت بالعطاء على أن تشمل القرية جميع الانشطة الممكنة، والتي تم توزيعها ودراستها بطريقة تضمن جذب الزوار لجميع أركان المشروع، حيث تم توفير سردابين لمواقف سيارات تتسع لـ1200 سيارة، وتم تصميم المشروع ليكون بيئة للمشاة فقط، ولذلك تم التركيز على ضرورة تخلل المشروع بالمناطق المفتوحة والمسطحات الخضراء سواء على هيئة ساحات خارجية او احواش داخلية.

ويمتاز الموقع وفق المخطط بوجود مجموعة من المباني التراثية القائمة من مساجد وديوانيات تنسجم مع مكونات المشروع من مبان جديدة، وتعطي الشعور بأصالة التراث الكويتي، كما يخترق المنطقة الجنوبية من المشروع سور الكويت الاول الذي يتم التنقيب عن آثاره حاليا بالتعاون مع المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب ليكون بمنزلة مزار سياحي ومتحف مكشوف للمارة.

فنادق وتراث

وقسمت الشركة المشروع الى خمس مناطق رئيسية في تلك المدينة التراثية، الاولى تشمل فندق خمس نجوم، وتتكون من سرداب ودور أرضي وميزانين ودور أول، وتشمل 101 غرفة وجناح، وعددا من المحلات التجارية، وقاعة احتفالات وقاعات متعددة الاغراض، وناديا صحيا ومطاعم وكافيتريات، وناديا لرجال الاعمال، كما تم تصميم تلك المنطقة لتشمل الخدمات الرئيسية للفندق من مطابخ ومغاسل وخلافه.

أما المنطقة الثانية فتشمل فللا فندقية تضم 61 جناحا فندقيا وعددا من المحلات التجارية الخارجية التي تحيط بالمنطقة من الخارج، كما ان المنطقة الثالثة تشمل المنطقة التجارية الأولى والاجنحة الفندقية، وتشمل 18 جناحا فندقيا في الطابق الاول، أما بالنسبة للطابق الأرضي فهو عبارة عن محلات تجارية على هيئة بيوت كويتية قديمة وبمساحات واسعة.

أما المنطقة الرابعة فتتكون من معارض ومحلات ومطاعم، وتتكون من 12 مبنى منفصلا (دور أرضي فقط بارتفاع عال) باستعمالات تجارية من محلات أو مطاعم أو معارض، وتوجد بتلك المنطقة أيضا مبان قائمة يتم استخدامها واستثمارها، مثل مبنى R8 والذي سيتم استخدامه كمبنى رئيسي لإدارة المشروع ومبنى C1، والذي سيتم استخدامه بنشاط تجاري. والمنطقة الخامسة عبارة عن منطقة تجارية ثانية وهي منطقة المحلات الحرفية التراثية.

عقبات وعوائق

إلا أن هناك مشاكل كثيرة حالت حتى يومنا هذا دون تسليم المشروع، فقد أكد رئيس مجلس إدارة شركة القرية التراثية العقارية المكلفة بالمشروع بدر الكندري، عبر وسائل الاعلام، انه تم البدء بالمشروع طبقا للبرنامج الزمني الذي تم الاتفاق عليه عند توقيع العقد مع إدارة أملاك الدولة، والمشروع مقسم الى خمس مناطق، تم إنجاز جميع الهياكل الخرسانية للمنطقتين الرابعة والخامسة ذاتي الاستغلال التجاري في المشروع، وبدأ العمل في المناطق الاولى والثانية والثالثة بعد إزالة العائق الرئيسي في الموقع.

وأضاف الكندري أن كل هذه الإنشاءات تمت بعد إصدار التراخيص الخاصة لها من جميع الجهات المعنية، الا ان هناك معوقات أمام المشروع، قائلا "إن المشروع لم يتوقف رغم المعوقات التي صادفته، لكنها أبطأت خطة التنفيذ، وأهمها نقص مساحة المشروع عند تسلم الأرض من قبل الجهات المعنية، إضافة إلى أن أحد المباني التراثية القائمة كان مشغولا من قبل إحدى الدوائر الحكومية مع المباني الملحقة به ومواقف السيارات، ما أوقف العمل في هذه المنطقة حتى يجدوا البديل للانتقال إليه، وأبرز العوائق كان تداخل نظام تدعيم مشروع بنك الكويت المركزي الجديد المجاور للمشروع في حدود موقع مشروع القرية التراثية بكامل طول الضلع الغربي".

المجلس البلدي

تأخير تنفيذ المشروع أثار جملة مواقف واعتراضات، أبرزها من بعض أعضاء المجلس البلدي الذين عبروا في جلسات كثيرة عن استيائهم من التأخير، الامر الذي حمل المجلس على اتخاذ قرار بسحب المشروع من الشركة، والزامها بدفع غرامات التأخير التي بلغت اكثر من 3 ملايين دينار، الا ان الحكومة رفضت هذا القرار بحجة انه ليس من اختصاصات المجلس، وبالتالي تم الابقاء على العقد القديم للمشروع رغم التأخر المزمن في الانجاز.

وقال عضو المجلس البلدي مانع العجمي لـ"الجريدة" إن هناك تخاذلا كبيرا في هذا المشروع، بما ينطوي على شبهة اساءة استغلال املاك الدولة التي باتت تهدر رغم سياسة التقشف التي تشهدها البلد، مبينا ان من الواجب الوطني سحب المشروع من الشركة، وتحصيل المخالفات واعادة طرح المشروع مرة اخرى، "فأين التنمية التي يشدو بها مجلس الوزراء في ظل تخاذل البعض بهذا المشروع؟".

اما رئيس اللجنة الفنية في المجلس البلدي فهد الصانع فقال لـ"الجريدة": "انا استغرب موقف الحكومة ووزير الدولة لشؤون البلدية، لاسيما عدم المحاسبة على هذا التسيب الذي يعطل المشاريع ويؤخر التنمية الفعلية".

عقد ملحق

من جهته، ذكر عضو "البلدي" أسامة العتيبي لـ"الجريدة": "علمنا ان مجلس الوزراء وقع مع ذات الشركة مؤخرا عقدا ملحقا بعقدها السابق رغم اعتراض لجنة مراقبة الاداء الحكومي التي استغربت هذا التجديد رغم وجود تقارير تفيد بسحب المشروع من الشركة ذاتها".

وبين العتيبي ان "القيمة النقدية لهذه الارض المجمدة منذ سنوات تبلغ اليوم 500 مليون دينار، والطامة الكبرى انها مازالت مجمدة ولا نعلم مصيرها. ويبقى السؤال المحير: ما مصير القرية التراثية؟!".

رغبة سامية في إحياء تراث الكويت

تندرج أهمية القرية التراثية في كونها تجسيدا لرغبة سامية لأمير البلاد منذ عام 1985، بهدف إعادة إحياء التراث الكويتي وربطه بالجيل الحالي.

وانسجاما مع هذه الرغبة السامية قامت بلدية الكويت بطرح المشروع في مناقصة عامة، وفازت شركة القرية التراثية العقارية به، وتم التعاقد مع وزارة المالية على مساحة أرض بحدود 81 ألف متر مربع لإقامة هذا المشروع.

ويحتوي المشروع على ثلاثة قطاعات رئيسية، هي: قطاع السكن المتمثل في فندق وشقق فندقية على غرار المباني الكويتية القديمة، والقسم الثاني للمحلات، وترتبط بشكل متكامل بالقسم السكني، والثالث هو الحرفي ومنطقة الآثار التي ستكون من عوامل الجذب في المشروع، وقام بتصميمه المهندس المعماري د. عبدالفتاح عامر والمهندس أحمد الوكيل.