بين الثقة والخيانة

نشر في 06-03-2016
آخر تحديث 06-03-2016 | 00:01
 منصور مبارك المطيري الخيانة تفترض في جوهرها وجود مقدار من الثقة بين طرفين أو أكثر، فاتهام امرئ ما بخيانة بلد أو شريك حياة أو صديق يتأتى عنه إخلال بالتزامات ذات طبيعة محددة، تستقي قدسيتها من الإجماع والتوافق حولها، وهي قبل ذاك على قدر كبير من الأهمية أنها توفر حصرا تعريفا للعلاقة وطبيعتها. 

صوّر الشاعر الإنكليزي "دبليو إتش أودين" في قصيدته "الصوت الذي أسمعه" الخيانة على أنها تأتي من شخص مألوف قريب منك تثق به، وتربطك به علاقة وثيقة، وينفث في نفسك الطمأنينة كما يبدي لك الولاء، فيظفر بذلك على ثقة شخص أو جماعة، ولكنه في الواقع أبعد ما يكون عن ذلك لأنه في أعماق نفسه معاد وكاره للشخص أو المجتمع الذي يخونه. وربما كل تلك السمات المجتمعة هي ما تجعل الخيانة فعلا قاسيا ومدمرا وذا آثار كاسحة، ذاك أن ثمة قيما إنسانية جوهرية تصيبها الخيانة بالعطب، وعلى رأسها الثقة.

في جوهرها تفترض الخيانة وجود مقدار من الثقة بين طرفين أو أكثر، فاتهام امرئ ما بخيانة بلد أو شريك حياة أو صديق يتأتى عنه إخلال بالتزامات ذات طبيعة محددة، تستقي قدسيتها من الإجماع والتوافق حولها، وهي قبل ذاك على قدر كبير من الأهمية أنها توفر حصرا تعريفا للعلاقة وطبيعتها.

وتأسيسا على هذا وذاك، لن تكتب لأي علاقة الديمومة مع غياب للثقة، فالمرء حين يكتشف أن صديقه يخونه ويكذب عليه مرارا وتكرارا كي يعظم مكاسبه، فإن هذه الصداقة لا تغدو قابلة للاستمرار، كما أن أي زيجة تبلغ خاتمتها حينما يكتشف أحد الزوجين خديعة الآخر مرة تلو الأخرى، وبالمعنى الأعمق، تكون الثقة في حدودها الثقافية القصوى العنصر الذي يضفي قدرا كبيرا من التماسك والوحدة على المجتمع، فهي تخترق الحيز الخاص للعلاقات الشخصية والفضاء العام للعلاقات المجردة لضرورتها في تيسير التبادل الاجتماعي بين البشر، ومن ثم إنجاز الوحدة والتضامن المجتمعين.

ولكن الناس يميلون إلى تكوين قناعة عامة بأن هزالا وضعفا لحقا بالثقة مما يتطلب مزيدا منها وصنع إجراءات لبناء الثقة، وفي الحقيقة رأينا في مجتمعنا هشاشة للثقة وأبصرنا أشكالا فادحة لتلك الهشاشة، فلم تعد الثقة تنحدر في مؤسسات وأنشطة وترتقي في أخرى، بل هناك خلاصة مؤلمة مؤداها تفسخ تدريجي للثقة على المستويات كافة. والمزاج العام الذي هو أشد مرايا واقعنا شفافية كف في العقد الأخير عن إقامة التمييز الذي دأب عليه في حديثه عن الثقة بين قطاعات متباينة كالصحافة والسياسة والقضاء والطب والتعليم. وهذه وسواها من أمثلة كثيرة إنما تضعنا وجها لوجه أمام أزمة مستفحلة في الثقة بات واقعنا محصلة لها.

وإذا قيل: ما الحل؟ ربما كان النظر للإشكالية من زواية مغايرة هو الخطوة المناسبة، فعلى سبيل المثال، قد يحالفنا النجاح في تحقيق مزيد من الثقة حينما نمنح من نثق بهم مزيدا منها ونحجبها عن الذين لا نثق بهم مطلقا. فضلا عن ذلك علينا قبل ثقتنا بأحدهم أو بمؤسسة ما التحقق من ثلاثة أشياء: الكفاءة والنزاهة والمصداقية. والحال كذلك، فإن حجر الأساس في إشكالية الثقة ليست الثقة ذاتها إنما الأهلية للثقة، فهذه الأخيرة هي التي بوسعنا تمحيصها واختبارها ومن ثم إطلاق حكم عليها، وحينما تقترن بنظام فعال وقوي من المحاسبة والشفافية يغدو تمييز الأهلية أمرا يسيرا.

back to top