المفترض بينما الأوضاع في هذه المنطقة بكل دولها مفتوحة على شتى الاحتمالات، وأيضاً على الكثير من المفاجآت، أنْ تكون هناك مبادرات من قِبَلِ الدولِ، التي لا تتعرض لما تتعرضْ له دول أخرى من ضغوطات، للبدء بإعادة صياغة العلاقات المطلوبة والضرورية بين بعضها والبعض، وبشرط ألاّ تكون هناك تبعية من أي دولة لدولة أخرى، وألاّ تكون هناك استقطابات إلاّ ضد من لديه نزعة التمدد ومن يستهدف العرب، والمقصود هنا وبكل صراحة ووضوح هو إيران التي لو كان الخيار لنا لكانت جاراً شقيقاً تربطنا به المصالح المشتركة وحُسنِ الجوار.
كانت هناك بعض المنغصات مع تركيا العزيزة لا تقتصر على دولة عربية واحدة، بل العديد من الدول، وحقيقة أنّ سببَ أو أسباب هذا غير مقنعة، إذْ من غير المعقول ان يُفتح المجالُ لحزب سياسي، تمتلئ مسيرته الطويلة بالأخطاء القاتلة وتعاني تطلعاته من الكثير من التوجهات الخطيرة فعلاً، بأن يلزم دولةً، تحتل هذا الموقع الاستراتيجي الهام وتلعب دوراً محورياً بين الشرق والغرب، ومصالحها مع العرب أكثر كثيراً مما هي مع أوروبا والاتحاد الأوروبي، بسياساته وعلاقاته وبمشاكله وإشكالاته، والمقصود هنا هو الإخوان المسلمون الذين تجاوز عمرهم التنظيمي والسياسي، على أساس أنّ التنظيم المصري هو التنظيم الأم والمرجعية، ثمانية وثمانين عاماً، ومع ذلك فإنهم لم يستقروا على اتجاه محدد بعد، ومازالوا حائرين بين العنف والتطرف و"التنظيم الخاص" وبين الاعتدال والسعي للوصول إلى ما يريدونه بالوسائل السلمية.وحقيقة أنّه غير مطلوب أنْ تفك تركيا علاقاتها بهذا التنظيم، لكن المطلوب هو ألاّ تُغلّب هذه الدولة الرئيسية والمحورية والتي هي بحاجة إلى العرب وهم بحاجة إليها- بينما تضرب العواصف الشديدة كل هذه المنطقة بكل هذا العنف- علاقاتها بالاخوان المسلمين، على علاقاتها مع بعض أو كل الدول العربية القريبة والبعيدة، وهنا -وعلى سبيل المثال- فإن العلاقات بالنسبة للشعب التركي مع مصر والشعب المصري أهم بألف مرة وأكثر من العلاقات مع المرشد العام الاخواني ومع "إخوانه" الذي أثبتوا أنّهم بارعون في الهدم وفاشلون في البناء.وبصراحة، بل بكل صراحة، فإن التحديات التي تواجهها هذه المنطقة تقتضي الاستعداد لتقديم تنازلات متبادلة حتى يصبح بالإمكان الحديث عن تحالفٍ أو تآلفٍ يضم تركيا ومصر والمملكة العربية السعودية والمملكة الأردنية الهاشمية والمملكة المغربية وبعض دول الخليج العربي، والمعروف بهذا الصدد أن التطلعات الاستحواذية والسعي الاكبر إلى ابتلاع الاصغر هو ما افشل كل المحاولات، ليس التوحيدية بل التضامنية والتفاهمية، حتى على الصعيد العربي، حيث المفترض أننا أمة واحدة قضاياها متداخلة وموحدة.إننا بحاجة الآن في هذه المنطقة إلى مبادرة اصطفاف على أساس الحد الأدنى وعلى أساس ألاَّ يكون هناك شقيق أكبر وشقيق أصغر، ولعل ما يمكن الاقتداء به هو تجربة الاتحاد الاوروبي، الذي تقف كل دُوَلِهِ بكبيرها وصغيرها على قدم المساواة. وفي النهاية، هل يُعقل يا تُرى أنْ تبقى العلاقات التركية - المصرية تعاني من كل هذه الأوجاع المؤلمة في هذه المرحلة الخطيرة بسبب تنظيم بات يخرج من حركة التاريخ، هو تنظيم جماعة الإخوان المسلمين؟!
أخر كلام
العرب وتركيا والخطوة المرتقبة
28-03-2016