شاهدنا منذ أيام الدفعة المعنوية والتشجيع والكلمات الداعمة والمعبرة لسمو أمير البلاد الشيخ صباح الأحمد، عندما قدم رئيس الحكومة الشيخ جابر المبارك وأعضاء لجنة السياسات والتنمية الإدارية بالمجلس الأعلى للتخطيط لسموه مشروع استغلال الجزر الكويتية الحرة (بوبيان، فيلكا، وربة، مسكان، عوهة)، ورأينا متابعة وحرص سمو الأمير على إنجاز مثل تلك المشاريع الكبرى.

Ad

ولكن مراجعة التاريخ والوقائع تشير إلى أن المسؤول عن الإنجاز، وتحقيق هذه المشاريع هي الحكومة وأجهزتها، التي عجزت منذ سنوات طويلة عن تحقيق مثل تلك المشاريع، وأهدرت الملايين على المكاتب الاستشارية المحلية والعالمية، لتتوه بعد ذلك تلك المشاريع ودراساتها ومخططاتها بين اللجان البرلمانية والبلدية وجهاز المشاريع الكبرى، وتنتهي في الأدراج والخزانات مهملة، أو تموت دهساً تحت أقدام العمالقة من "الهوامير" الذين يتصارعون على الفوز بالمشاريع الكبرى.

نذكر جميعاً منذ أكثر من عشر سنوات عرض أيضاً مشروع مدينة الحرير وملحقاته من مشاريع مساندة، انتهت جميعاً إلى أن تكون نسياً منسياً رغم أن الحكومة أحالت في عهد الوزير السابق بدر الحميضي قوانين إنشاء ثلاث شركات مساهمة كبرى لميناء بوبيان ومدينة الحرير والبنى التحتية (قطارات، مترو، موانئ، منتجعات سياحية)، تسلمتها في حينها اللجنة المالية البرلمانية برئاسة الوزير والنائب الأسبق أحمد باقر، ولم يتم البت فيها ولم تر النور أبداً.

وقبل أن نفكر في مشاريع سياحية بعشرات مليارات الدولارات، ولنكون جادين، علينا أن نحدد طبيعة وهوية الكويت المستقبلية، فهل نحن دولة منفتحة قابلة لاستقبال الآخر من أي عرق ومعتقد، ونحترم حرياته وخصوصياته؟! وهل سنكون سنغافورة الخدمات والسياحة والصناعات الصغيرة... أم لوكسمبرغ التي تدير ثروات الغير، وتمثل مركزاً مصرفياً إقليمياً ودولياً؟

أما في مجال السياحة فإننا بطبيعة مجتمعنا الحالية التي سيطر عليها التزمت والأصولية فإننا لا نصلح أن نكون دولة سياحية... فلا نخدع أنفسنا ونهدر أموالنا بلا مردود، فالعديد من الدول لديها مواقع جغرافية خلابة ومنتجعات جميلة، ولكنها غير قادرة على جذب السياحة لأسباب تتعلق بطبيعة مجتمعاتها المنغلقة، وها نحن في الكويت نقيم سنوياً مهرجان "هلا فبراير" الترويجي السياحي منذ أكثر من 15 عاماً دون أن نحقق أي نجاح في جذب سياحي لافت ومعتبر، إلى بلدنا الذي يزداد انغلاقه وتزمته يوماً بعد يوم.

***

المفارقة العجيبة والساخرة أنه في نفس الأسبوع الذي طرح فيه موضوع مشاريع الجزر الشمالية والسياحة في الكويت، تصدر هيئة القوى العاملة قراراً "قرقوشياً" بمنع اختلاط العمالة بين الذكور والإناث في المرافق الخدمية والأسواق وخلافه، وهو قرار مضحك وعبثي، وسيعصف باستقرار أصحاب الأعمال والعمالة الموجودة في البلد، وهو ردة فعل على مخالفات الكبائن المغلقة في المطاعم، والتي رصدتها الأجهزة المعنية وتعاملت معها، ففي كل مكان في العالم هناك مخالفات جنائية وأخلاقية لا تستوجب قرارات ذات طابع مخالف لروح العصر واحتياجاته، فبالله عليكم أي سياحة وأي انفتاح في بلد يدار وتصدر فيه قرارات بهذا الشكل؟!