السيد الرئيس... كم تغيرت!
في يونيو 2009، جاء الرئيس الأميركي باراك أوباما إلى المنطقة بدءاً بالسعودية قائلا: جئت إلى مهد الإسلام طلباً للمشورة قبل أن أخاطب العالم الإسلامي، وانتهاء بمصر حيث اختار جامعة القاهرة منبراً لخطابه للعالم الإسلامي، شعوباً وحكومات، وحرص أوباما على تأكيد اعتزازه بالإسلام ديناً قدّم للبشرية مبادئ وقيماً عليا كالعدالة والتسامح والكرامة، وأن الحضارة مدينة للإسلام الذي حمل معه في أماكن مثل الأزهر، نور العلم عبر قرون عدة. جاء أوباما بآمال واعدة ومنهج اعتذاري، يريد تصحيح صورة أميركا ويتصالح مع العالم الإسلامي، فأدهشنا بحيويته وهو يتجول بالأهرامات، ويصعد سلم الطائرة الرئاسية ركضاً، أحببناه لبراعته ولباقته وبساطته وخطابه المؤثر في قلوبنا، وعد بتحقيق السلام بين إسرائيل والفلسطينيين، وأكد أن أميركا لا تفرض الديمقراطية، وشجع المسلمين على التنمية الاقتصادية والمساواة بين الجنسين، واعتذر عن أخطاء سلفه في العراق.
نجح أوباما في تحسين صورة أميركا وكسب عقولاً وقلوباً ومشاعر، ولكن إلى حين، وحصل على نوبل للسلام، وحاول استرضاء "الأعداء"، ونجح في ذلك إلى حد ما، لكنهم فسروا موقفه اللين، بالضعف والتراجع والفشل، فازدادوا وحشية وضراوة وشكلوا تحدياً أكبر لأميركا!اليوم، بعد 7 سنوات، كم تغير ساكن البيت الأبيض! سواء في رؤيته البائسة اليائسة للمنطقة، أو نظرته غير المنصفة للخليج، مقارنة بإيران! كم تغيرت الرؤى المستبشرة والآمال الواعدة!أوباما، اليوم، لا يكتفي باسترضاء "الأعداء" بل يكافئهم، في الوقت الذي يلوم الأصدقاء الحلفاء ويحملهم مسؤولية إخفاقاته، ويسوق مبررات لانسحابه وتخاذله!!من يطّلع على قناعات أوباما التي نشرتها مجلة "أتلانتك" يصدم كثيراً للتغير! وهي تقوم على 3 مرتكزات:1- أن منطقة الشرق الأوسط لم تعد ذات أهمية قصوى للمصالح الأميركية العليا، لذلك من الأفضل لأميركا عدم التورط في مشاكلها، حماية لأرواح جنودها، وضماناً لمصداقيتها في العالم. في تصوري أن هذه ليست قناعة أوباما الحقيقية، فلأميركا مصالح حيوية في المنطقة بدليل إرسال 4 آلاف جندي والمئات من الطائرات التي تقصف "داعش" في العراق وسورية واليمن، ولكن أوباما مضطر لهذا الطرح التبريري للتغطية على خطئه الكبير الذي هز مصداقيته لتراجعه عن تنفيذ إعلان "الخط الأحمر" ضد استخدام النظام السوري الكيماوي بحق المدنيين، واتضح لاحقاً أن مرد ذلك حرص أوباما على عدم إفشال الصفقة النووية مع إيران.2- التطرف الديني، نتاج الإسلام العربي السني (الفكر السلفي المتطرف) انتشر بقوة المال في مجتمعات جنوب شرقي آسيا، وإندونيسيا المتسامحة التي عاش فيها فترة من حياته، ولما عاد لزيارتها وجد التطرف قد وصلها، والحجاب قد انتشر، يرى أوباما أن التطرف السني أشعل النعرات الطائفية والكراهية تجاه الآخر المختلف مذهباً، وأراد توريط أميركا وجرها إلى صراعاته الطائفية!أتصور: أن هذا التشخيص يحمل تبسيطا واختزالا مفرطين، فالتطرف وليد عوامل عديدة ولا يمكن تفسيره بعامل واحد، وليس من الإنصاف تحميل المسؤولية لطرف وتبرئة الطرف الآخر، بعد الثورة الإيرانية التي وظفت الطائفية في خدمة أهدافها السياسية وتبنت سياسة تصدير الثورة، بحجة نصرة المستضعفين، ودعمت الميليشيات العقائدية، ولها سجل طويل في رعاية التطرف، ولا أدل من حكم المحكمة الفيدرالية بتغريمها بسبب تورطها في هجمات ١١ سبتمبر.3- يتصور أوباما أن حل مشاكل المنطقة يتم بقبول السعودية والخليج، تقاسم النفوذ، مع إيران، وهذا تصور سقيم، إذ بأي مبرر أو منطق نسمح لإيران بمناطق نفوذ في ديارنا، وهي الداعم الرئيس لكل الميليشيات التي تعيث فسادا وتخريبا وتقويضا للدول العربية؟! وهل ترضى إيران بمناطق نفوذ للعرب في بلادها؟ وهل تقبل المشاركة بديلا عن الهيمنة، وقد أصبحت طليقة؟! لا يمكن لهذا النظام أن يقبل بالمشاركة، لأنه بحاجة مستمرة إلى إعادة إنتاج الثورة وخلق الاضطرابات، ضمانا لاستمراره، وتمهيدا لعودة الإمام الغائب!أخيرا: قد لا تكون هذه التصريحات معبرة بدقة عن قناعات أوباما، لاحتمال أن الصحافي الذي أجرى الحوارات، دمجها في آرائه الشخصية.* كاتب قطري