"سياسة المفاجأة" أو politics of surprise هي سلوك سياسي يستخدمه السياسيون تحت حالة حصار حادة، فيقومون بفعل مفاجئ، على أساس أن وقع المفاجأة يتيح فرصا لفتح مسارات جديدة قد تؤدي إلى تعديل موازين القوى.
كان من أبرز من استخدم ذلك في التاريخ السياسي الحديث الرئيس المصري أنور السادات والرئيس السوفياتي ميخائيل غورباتشوف. وربما ينطبق ذات الوصف على التدخل والانسحاب الروسي العسكري، اللذين لهما علاقة بالحالة الروسية ووضعها في السياسة الدولية، أكثر من علاقتها بوضع النظام السوري أو الإقليمي. وفي الإطار العام، وليس في التفاصيل، هناك عدة ملاحظات:الأولى: أن روسيا وأميركا تحديدا، تعانيان من عقدتين مستحكمتين، مرتبطتين بتدخلهما العسكري الخارجي، وهما افغانستان وفييتنام، وهما -على الرغم مما يبدو ظاهريا أنهما شفيتا منهما- حاضرتان في النقاش وعملية اتخاذ القرار.الثانية: أن التدخل العسكري الوحيد الذي أطلق عليه صفة "الإنساني" حدث بعد نهاية الحرب الباردة في الصومال، تحت اسم "عملية إعادة الأمل" والتي فشلت فشلا ذريعا، ومن اللافت استخدام المصطلح ذاته في اليمن مؤخرا.الثالثة: لم تكن التجارب الحديثة للتدخل العسكري لأميركا، في افغانستان والعراق، حتى بدافعية متهورة مثل المحافظين الجدد، نتائج محمودة، فأرغمت أميركا على الانسحاب من البلدين بعد خسائر فادحة. أما روسيا فلم تكن تجربتها الأخيرة في أوكرانيا بالناجحة، مع العلم بأن أوكرانيا لها حدود، وكانت تابعة لروسيا حتى فترة قريبة. ويمكن القول إن تجارب ايران في سورية والعراق، والسعودية في اليمن، أو اثيوبيا في الصومال وراوندا في الكونغو لا يمكن وصفها بالتجارب المشرقة. وبالتالي لم يعد واقعياً لدول نظامية التدخل عسكريا بقوات على الأرض لمدة طويلة، فإن حصل فيكون لمدة قصيرة ولترتيب موازين القوى على الأرض والانسحاب السريع.الرابعة: يتضح أن القوة الفاعلة على الأرض هي القوة غير النظامية، أو مايسمى بكيانات شبيهة بالدولة، ويوجد منها اليوم ما يقدر بالعشرات في أنحاء العالم، بعضها يسيطر على مناطق كبيرة منذ سنوات طويلة. وصار واضحاً أن الاسلوب الأنجع للتأثير هو من خلال دعم تلك التنظيمات أو الميليشيات على الأرض، التي يفضل البعض حينها تسميتها حروب بالوكالة.الخامسة: تتعلق بروسيا، فهي بحاجة لتحريك وضعها الدولي أكثر من حاجتها لدعم نظام بشار الأسد، فروسيا ترى أنها تم استبعادها من ليبيا والعراق، وخسرت فيهما استثمارا سياسيا وعسكريا طويل الأمد، وقد حقق لها تدخلها وانسحابها المفاجئان في سورية أهدافا تكتيكية، ربما تتحول لاستراتيجية لاحقا.السادسة: منذ التدخل العسكري الروسي، ومن ثم الانسحاب صارت روسيا وأميركا تحددان موعد الهدنة، وتحددان موعد بدء المفاوضات، وتحددان جدول الاعمال ومن يحضر ومن لا يحضر. وتراجع دور كافة الفرقاء حتى من هو موجود على الأرض، وصار دورهم الترحيب. إلا أنها ليست نهاية الحكاية، فكل ذلك لايأخذ بالحسبان الدماء الغزيرة التي سالت وملاين المشردين والكثير من الدمار.
أخر كلام
التاريخ السياسي للانسحابات العسكرية
21-03-2016