ألقى العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز كلمة تاريخية في البرلمان المصري، أمس، شدد فيها على أهمية التعاون بين مصر والمملكة لحل قضايا الأمة، ورحب رئيس مجلس النواب علي عبدالعال وأعضاء البرلمان بخادم الحرمين الشريفين.

Ad

وسط أجواء ترحيب حارة، وتصفيق حاد من النواب المصريين، ألقى العاهل السعودي، خادم الحرمين الشريفين، الملك سلمان بن عبدالعزيز، كلمة تاريخية أمام البرلمان المصري، أمس، أكد فيها أهمية التعاون الوثيق بين مصر والسعودية لتحقيق التوازن في المنطقة، وحل قضايا الأمة، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية، وقال: "خدمة قضايا أمتنا، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية، تستدعي وحدة الصف والتعاون الوثيق بين مصر والسعودية".

وبينما تنتهي الزيارة التاريخية للعاهل السعودي اليوم كانت زيارة سلمان لمجلس النواب المصري الأولى لملك سعودي، ما يعكس خصوصية الزيارة التي بدأت الخميس الماضي، وسط إجراءات أمنية مشددة، فيما كان رئيس مجلس النواب علي عبدالعال ووكيلاه في مقدمة مستقبليه.

كلمة الملك

وفي كلمته، أعرب العاهل السعودي عن سعادته بالحضور إلى مجلس النواب، مؤكدا أن التعاون مع مصر سيعجل بالقضاء على الإرهاب، و"إنه لمن دواعي سروري أن أكون معكم في هذا اليوم الذي أسعد فيه بلقائكم في مجلسكم الموقر".

وأضاف أن مجلس النواب المصري، وعلى مدى سنوات طوال، أسهم في تشكيل تاريخ مصر ووجهها الحضاري الحديث في مختلف جوانبه، وقال: "أود التأكيد على الدور المؤثر لمجلسكم في تعزيز العلاقات التاريخية بين بلدينا الشقيقين".

وزاد: "ان القناعة الراسخة لدى الشعبين السعودي والمصري بأن بلدينا شقيقان مترابطان، هي المرتكز الأساس لعلاقاتنا على كل المستويات"، مضيفا: "لقد أسهم أبناء مصر الشقيقة منذ عقود طويلة في مشاركتنا بالعمل والتنمية والبناء، ولا يزال بلدهم الثاني المملكة العربية السعودية يسعد باستضافتهم".

واردف: "إن معالجة قضايا أمتنا، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية، تتطلب منا جميعا وحدة الصف وجمع الكلمة، ويعد التعاون السعودي – المصري الوثيق الذي نشهده اليوم – ولله الحمد – انطلاقة مباركة لعالمنا العربي والإسلامي لتحقيق توازن بعد سنوات من الاختلال، وانتهاجاً للعمل الجماعي والاستراتيجي بدلا من التشتت، وقد أثبتت التجارب أن العمل ضمن تحالف مشترك يجعلنا أقوى، ويضمن تنسيق الجهود من خلال آليات عمل واضحة".

وأضاف: "من المهم أن تتحمل السلطات التنفيذية والتشريعية في دولنا مسؤولياتها الكاملة تجاه شعوبنا ومستقبل أمتنا، وأن نتعاون جميعا من أجل تحقيق الأهداف المنشودة المشتركة التي تخدم تنمية أوطاننا"، متابعا: "إن لدى المملكة العربية السعودية وجمهورية مصر العربية فرصة تاريخية لتحقيق قفزات اقتصادية هائلة من خلال التعاون بينهما".

واستدرك: "خلال اليومين الماضيين تم توقيع العديد من الاتفاقيات ومذكرات التفاهم والبرامج التنفيذية والعقود الاستثمارية، كما اتفقنا على إنشاء جسر بري يربط بين بلدينا الشقيقين، وسيربط من خلالهما بين قارتي آسيا وإفريقيا، ليكون بوابة لإفريقيا، وسيسهم في رفع التبادل التجاري بين القارات، ويدعم صادرات البلدين إلى العالم، ويعزز الحركة الاقتصادية داخل مصر، فضلا عن أن هذا الجسر يعد معبراً للمسافرين من حجاج ومعتمرين وسياح، وسيتيح فرص عمل لأبناء المنطقة".

واضاف: "وقد كان من ثمرات الجسر الأولى ما تم الاتفاق عليه بالأمس للعمل على إنشاء منطقة تجارة حرة في شمال سيناء، وهذا سيساعد في توفير فرص عمل وتنمية المنطقة اقتصاديا، كما سيعزز الصادرات إلى دول العالم، وسنصبح أقوى – بإذن الله – باستثمار الفرص التي ستنعكس بعائد ضخم على مواطنينا وعلى الأجيال القادمة".

وقال الملك سلمان "إن المهمة الأخرى التي ينبغي أن نعمل من أجلها سوياً تتمثل في مكافحة التطرف ومحاربة الإرهاب الذي تؤكد الشواهد أن عالمنا العربي والإسلامي هو أكبر المتضررين منه، وقد أدركت المملكة العربية السعودية ضرورة توحيد الرؤى والمواقف لإيجاد حلول عملية لهذه الظاهرة، فتم تشكيل التحالف الإسلامي العسكري لمحاربة الإرهاب وتنسيق الجهود بما يكفل معالجة شاملة لهذه الآفة، فكرياً وإعلامياً ومالياً وعسكرياً، كما أننا نعمل سوياً للمضي قدماً لإنشاء القوة العربية المشتركة".

كما قال: "أسأل الله عز وجل أن يديم على بلداننا نعمة الأمن والأمان، وأن يزيد من تماسك أوطاننا العربية والإسلامية، إنه ولي ذلك والقادر عليه".

من جانبه، رحب رئيس مجلس النواب المصري علي عبدالعال بزيارة الملك سلمان، حيث سلم العاهل السعودي رئيس البرلمان درعا بها صورة الملك سلمان وعلما مصر والسعودية، وقال عبدالعال: "جلالة الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، مرحبا بكم قادما من الأرض التي وضع فيها أول بيت مبارك للناس إلى أرض النيل الخالد مهد الحضارات... مرحباً بكم تجسدون تاريخ شعب عظيم وتمنحون المحبة".  

في السياق، وفيما له صلة بالزيارة وضع وزير المالية السعودي إبراهيم العساف حجر الأساس لمشروع تطوير مشفى قصر العيني، ووحدات الرعاية المركزة، وتطوير الأقسام، وتزويد المشفى بمعدات طبية حديثة، وإنشاء أقسام جديدة وتطوير وحدات الطوارئ، فضلا عن إنشاء وحدات تخصصية جديدة بمعظم المجالات الطبية.

من جانبه، أكد العساف أن أهم الاتفاقات التي وقعت بين مصر والمملكة السعودية اتفاقية تحديد الحدود بين مصر والسعودية، والتي تقضي بعودة جزيرتي تيران وصنافير إلى السعودية، موضحا أن جسر الملك سلمان سيكون له أثر بالغ في المستقبل القريب.

تيران وصنافير

إلى ذلك، وفيما له صلة بتوقيع مصر والسعودية اتفاقية إعادة ترسيم الحدود البحرية بينهما، قطعت الحكومة المصرية الجدل بشأن جزيرتي تيران وصنافير، في البحر الأحمر، قرب خليج العقبة.

وقالت الحكومة، في بيان أصدرته مساء أمس الأول السبت، "جزيرتا صنافير وتيران واقعتان داخل المياه الإقليمية للمملكة العربية السعودية‏، واتفاقية تعيين الحدود ستُعرض على البرلمان"، معتبرة اتفاق البلدين إنجازا مهما من شأنه أن يمكن الدولتين من الاستفادة من المنطقة الاقتصادية الخالصة لكل منهما، بما توفره من ثروات وموارد تعود بالمنفعة الاقتصادية عليهما.

في السياق، أثارت الاتفاقية ردود فعل غاضبة على مواقع التواصل الاجتماعي، إذ اعتبر عدد منهم الاتفاقية بمنزلة تفريط في التراب الوطني، نظرا لأن المادة 151 من الدستور تمنع إبرام مثل هذه الاتفاقيات أو المعاهدات، بينما اهتم آخرون بنشر تقارير تثبت أن الجزيرتين مصريتان وفق خرائط تعود للقرن الثاني الميلادي، مرورا بخرائط أخرى في سنين متقدمة تثبت مصرية الجزيرتين.

من جانبها، دافعت الحكومة عن الاتفاقية، وقالت: "منذ 6 سنوات وهناك مباحثات تُجرى بين الجانبين لإعادة تعيين الحدود البحرية، آخرها ثلاث جولات ديسمبر 2015، عقب التوقيع على إعلان القاهرة في 30 يوليو 2015".

مطالبات

وطالب المرشح الرئاسي السابق حمدين صباحي السيسي والملك سلمان بسحب توقيعهما على اتفاقية ترسيم الحدود، معلنا رفضه اعتبار مجلس الوزراء جزيرتي تيران وصنافير سعوديتين، وكتب صباحي، في صفحته على "فيسبوك"، "‏جزر تيران وصنافير جزء لا يتجزأ من إقليم الدولة المصرية بموجب اتفاقية أكتوبر 1906 بين الدولة العثمانية ومصر الخديوية".

وأضاف صباحي على صفحته: "نشأت المملكة العربية السعودية كدولة قانونية عام 1932، أي إنها لم تمتلك الجزيرتين ولم تمارس عليهما السيادة على وجه الإطلاق، وأية مطالبات لها مردود عليها بحجج دامغة تاريخياً وقانونياً وواقعياً وبكل الجدية والحسم واحترام الحقائق دون شطط ولا اقتتال ولا تنابذ ولا تخاصم بين الأشقاء"، مؤكدا أنه لا يحق لرئيس الجمهورية التنازل عنهما طبقا للمادتين الأولى و151 من الدستور.

واختتم قائلا: "‏ولكي نجنب مصر أزمة دستورية هي في غنى عنها، ونتجنب أزمة في علاقات الأخوة والجوار مع الأشقاء في العربية السعودية، التي نحرص عليها، فإنني أدعو السيد الرئيس وجلالة خادم الحرمين الشريفين إلى سحب توقيعهما، فلا يليق بالسعودية أن تضع نفسها في موضع شبهة استغلال حاجة مصر، ولا يليق بمصر أن تقبل على نفسها شبهة الإذعان تحت وطأة الحاجة".

في السياق، أصدر حزب الكرامة الناصري بيانا قال فيه إن جزيرتي تيران وصنافير جزء لا يتجزأ من إقليم الدولة المصرية، بينما رفض المفكر القومي القيادي بحزب الكرامة أمين إسكندر الاتفاقية، وقال لـ"الجريدة": "الجزيرتان مصريتان بالجغرافيا والتاريخ، ولا يصح أن يتطوع السيسي ويهدي ما لا يملك لمن لا يستحق، وكان الأجدى به عمل استفتاء شعبي حول الأمر"، داعيا مجلس النواب إلى رفض الاتفاقية.

في السياق، دان حزب التحالف الشعبي الاشتراكي تنازل الحكومة المصرية عن الجزيرتين، معتبرا الخطوة استهتارا بحقوق مصر في أراضيها التاريخية الثابتة، وقال نائب رئيس الحزب مدحت الزاهد: "كل من يتهاون في سيادة مصر على ترابها ومياهها وأجوائها لن يمر بفعلته المخزية، ولا مجال هنا للأعذار أو التبريرات".

اتفاق على منطقة تجارة حرة بسيناء

أبرمت كل من السعودية ومصر اتفاقا تاريخيا ينبئ بتنمية اقتصادية ضخمة لواحدة من أهم المناطق الاستراتيجية غير المستغلة في الوطن العربي، لإنشاء منطقة حرة في شمال سيناء، عبر صندوق الاستثمارات العامة السعودي.

وستشكل المنطقة الحرة التي أبرمت اتفاقيتها خلال الزيارة التاريخية للملك سلمان بن عبدالعزيز إلى مصر، منفذاً لوجستياً للصناعات السعودية في مشروع وعد الشمال، والمشاريع التعدينية، إضافة لخلق منفذ جديد للبترول الخليجي المتجه لأوروبا، إذ سيتم نقله عبر جسر الملك سلمان إلى الميناء في المنطقة الحرة، ومنه إلى البحر الأبيض المتوسط. وفي الجانب المصري، ستشمل التنمية منطقة شمال سيناء، إما عبر المنطقة الحرة أو عبر استثمارات بنحو 1.3 مليار دولار بتمويل من الصندوق السعودي للتنمية، حيث هذه الاستثمارات تستهدف تطوير البنية التحتية في شمال سيناء لضمان سلاسة نقل البضائع والمواد الأولية من وإلى هذه المنطقة، إضافة لإنشاء عدد من التجمعات السكنية، واستثمارات زراعية للاستفادة من البيئة الخصبة في سيناء.

وسيخلق هذا المشروع فرص عمل للطاقات البشرية في مصر، ويوجه بوصلة التنمية فيها باتجاه جديد. وتشكل هذه الاتفاقية أولى ثمار الإعلان عن إنشاء جسر الملك سلمان الذي يربط آسيا بإفريقيا، وسط إرادة من البلدين لاستكمال المشاريع التي تضمن استفادة الجانبين.