صدر عن «هيئة قصور الثقافة المصرية» كتاب «فنون الفرجة الشعبية... وثقافة الطفل» للباحثة أماني الجندي، ويتناول إرهاصات الدراما المسرحية في التراث، ونشأة العروض الارتجالية مثل «الأراجوز» و{العرائس» وتشكيلها لوعي ووجدان النشء في الماضي، ومقاومتها الاندثار بعد تطور الوسائط الثقافية خلال العصر الحالي.

Ad

في مقدمة كتاب «فنون الفرجة الشعبية... وثقافة الطفل»، قال عميد المعهد العالي للفنون الشعبية

د. سميح شعلان إن فن «الأراجوز» طاف بلاد الدنيا من الصين والهند وبلدان أوروبا الشرقية والشام ومصر، واستقبلته كثير من الأمم والثقافات، وصاغه مبدعوه، بما يدعم الإقبال عليه، وتناولوا قضايا وموضوعات وثيقة الصلة بمجتمعاتهم.

ألمح شعلان إلى سر بقاء «الأراجوز» وانتصاره في «صراع غير متكافئ» مع صنوف لانهائية من إبداعات المسرح والموسيقى والسينما والتلفزيون، وهذه الإبهارات قضت تماماً على «خيال الظل» و{صندوق الدنيا» و{الحاوي» و{المحبظين» وغيرها، إلا أن «الأمانة» التي يصدر من خلالها «فنان الأراجوز» أداء صوتياً مميزاً، تضفي على هذا الفن طابعاً خاصاً، لا ينافسه فيه أحد.

يرجع تاريخ «الأراجوز» إلى نهايات العصر المملوكي بمصر (1250 – 1517) وبلغ ذروة انتشاره في أربعينيات القرن الماضي، ونقله الفنان الراحل محمود شكوكو من المناطق الشعبية، وقدم أول مسرح عربي للعرائس، واشتهرت عروضه {شكوكو في كوكب البطيخ} و}الكونت دي مونت شكوكو}، ولا يزال للأراجوز حضوره في الموالد الشعبية، والمهرجانات الثقافية المعنية بالتراث.

هوية ثقافية  

لفتت الباحثة أماني الجندي إلى أن {فنون الفرجة الشعبية} تهتم بالمدارس التربوية، ودورها في تشكيل الوعي، وغرسها في النفوس بطريقة غير مباشرة، وهي مؤثر فاعل في بعض القيم الاجتماعية والأخلاقية والدينية والسياسية، من دون أن يدرك الفنانون بشكل واع الآثار البعيدة لفنونهم على المجتمع.

تطرقت الجندي إلى {ثقافة الطفل} وتعني التنشئة في أولى مراحل العمر، وتشتبك بعناصر البيئات الطبيعية والاجتماعية والثقافية، ودور المؤسسات المعنية، والقيمين على تربية وتعليم تلك الفئة العمرية، واكتشاف طاقاتهم الكامنة، وملامح نبوغهم في مجالات إبداعية وعلمية مختلفة، وتنمية مواهبهم ورعايتها، كأساس لتشكيل اللبنة الأولى لثقافة الإنسان والمجتمع.

عروض ارتجالية

انتقلت الباحثة أماني الجندي إلى {فنون الفرجة الشعبية} كوسيط ثقافي متكامل، تتضافر في أدائها أشكال مختلفة من موسيقى ورقص وغناء وإنشاد وسرد للسير والملاحم وغيرها، وتتوافر على نوع من الثفافة التلقائية {الارتجال} ولا يلتزم فيها الرواة أو الحكائون حرفياً بالنص ويضيفون ويحذفون، بل ينتصرون في إنشادهم لبطل دون آخر، ويستقطبون فريقاً من الجمهور للاستماع إلى مآثر بطلهم المحبوب.

كذلك، يعد {الأراجوز} و{خيال الظل} و{صندوق الدنيا} من فنون العرائس، وأشهر أنواع الفرجة الشعبية التي عرفتها الشعوب في الشرق والغرب، وتعتمد على التقليد والتحاور بين عدد من الشخوص، والحركة والإيحاء التعبيري، والتفاعل مع الجمهور أثناء العرض، ومشاركته في دراما الحوادث، واستلهمها الكاتب الألماني برتولد بريخت، ليؤسس مسرحه الملحمي، ويعارض اندماج الممثل في مدرسة الروسي ستانسلافسكي.

صندوق الدنيا

تطرقت الباحثة أماني الجندي إلى أن {صندوق الدنيا} أحد مظاهر الفرجة الشعبية، وترتكز عروضه على الصورة والدمى، ويتضمن بعض العناصر الدرامية، ويجسدها لاعب وحيد هو {الراوي}، إذ يحرّك صور الصندوق، شارحاً ومعلقاً عليها، ومن خلال أداء صوتي منغم، وارتبط بهذا الفن جمهور من جميع الأعمار والطبقات الاجتماعية.

انتهت الجندي إلى عدم ثبوت نشأة {صندوق الدنيا} وتاريخه، ويرجح ظهوره قبل  خيال الظل} في القرون الوسطى، ولاحقاً تطورت عروضهما بتخصيص مقاعد للجمهور، ويحتفظ المتحف الأثنوغرافي الملحق بالجمعية الجغرافية بالقاهرة، بنموذج قديم للصندوق، كأحد الفنون التراثية التي أوشكت على الاندثار في الوقت الراهن.