في ذكرى تحرير الكويت من الغزو العراقي لا بد من وقفة تقييمية ونقدية، فآثار الغزو البغيض وتداعياته استمرت فترة زمنية طويلة، ومن أهمها الحاجز النفسي بين الشعبين.

Ad

لقد وقع الاحتلال كالزلزال المدمر، وهزّ ضمير الأمة لأن ذلك الحدث ليس له ما يبرره غير العدوان والغدر، وبعد مرور أكثر من ربع قرن على ذلك الحدث وطيلة هذه الفترة الزمنية لم يحدث نقد عراقي لما حدث، وكذلك لم تقدم القوى والمراكز القومية العربية على نقد التجربة، بل لاذت بالفرار من المهمة الرئيسة لتختفي وراء مسميات بعيداً عن مهامها الأساسية مثل: دخول العراق إلى الكويت، وأزمة الخليج الثانية... إلخ.

 إن الكويت قد تسامت فوق جراحها، ولكن على الرغم من تغيير النظام الذي ارتكب تلك الجريمة لم يحدث حتى الآن نقد موضوعي لتلك الجريمة، باستثناء مواقف سياسية متناثرة لم تركز على القضية الجوهرية، وهي إزالة ثقافة (تبعية الكويت للعراق) من الثقافات السياسية العراقية، خصوصاً لدى الجيل العراقي الجديد الذي ولد بعد هذه الكارثة، ويشكل أكثر من ثلث الشعب العراقي.

 من المؤكد أن هناك أفراداً وجماعات عراقية لم تكن مقتنعة بما حدث وإلى اليوم، ولكن ماذا عن العراق كدولة وشعب والموقف التاريخي حتى تتم إزالة الحاجز النفسي بين الشعبين، وحتى تعود العلاقات الأخوية والمصالح المشتركة بينهما؟

إن دوراً مطلوباً من المثقفين لدراسة ونقد تجربة الغزو التي لم تحدث حتى الآن عراقياً وعربياً، وإن العاطفة والمقالات الصحافية هنا وهناك لا تكفي، إذاً لا بد من البحث مجدداً في أسباب تلك الكارثة، التي كانت هزة قوية ومؤثرة للفكر القومي، وهذا يستدعي دعوة المفكرين لنقد الحدث لا الصمت أو الاستنكار فحسب.

إن تسمية الغزو العراقي الصدامي البعثي له مفهوم نود توضيحه، فإن ما حدث، من ناحية القانون الدولي، هو احتلال دولة كان لا بد من تحريرها وإزالة هذا الاحتلال، أما على المستوى السياسي فهو عدوان وغزو ، أما إنه غزو عراقي فقد حدث من دولة عربية جارة هي العراق، وصدامي بمعنى أنه قرار فردي دكتاتوري وبعثي، يعني أنه قرار لحزب البعث العراقي القومي الاتجاه، الذي رفع شعار "وحدة، حرية، اشتراكية"، ونظام البعث كان في ممارساته ضد ذلك الشعار في الداخل والخارج، أما دروس الغزو فيمكن تلخيصها بالآتي:

أولاً: لا بد من إعادة النظر في المفهوم القومي التقليدي للقومية العربية والوحدة العربية، وهذه تحتاج إلى دراسة.

ثانياً: لا بد أن يحدث نقد عراقي لتجربة الغزو، وعدم الاكتفاء باعتذار عما حدث.

ثالثاً: إن وقوع العدوان واحتلال الكويت أثبت ضعف مقومات الكويت التي تتطلب تقويتها، وهذه أيضاً تحتاج إلى دراسة.

رابعاً: استمرار المشكلات التي كانت تعانيها الكويت قبل الغزو وبعده مثل: الخلل في التركيبة السكانية ومشكلة البدون والفساد المالي والإداري... إلخ. تحتاج إلى وقفة ومعالجة جذرية لا مجاملة سياسية.

خامساً: كشف الغزو معادن الناس والدول العربية وغير العربية، وعلينا أن نقيم ونبني علاقاتنا على ذلك الأساس مبدئياً قبل أن يكون سياسياً.

سادساً: إن دراسة التجربة وتجارب العالم الأخرى تثبت تاريخياً أن الحماية الخارجية مؤقتة مهما طالت، ولا بد من التفكير في تطوير وتحديث مقوماتنا المحلية والخليجية والعربية للحماية من الأخطار.

إن الشعوب التي لم تستفد من تجاربها وتجارب غيرها شعوب لديها قصور في الوعي والفكر الاستراتيجي، واستخلاص الدروس من تلك التجارب يعتبر خطوات مهمة على طريق البناء والنهضة، فكان لزاماً علينا أن نقول ذلك في ذكرى التحرير من الاحتلال العراقي للكويت، وسنستمر في القول حتى نستفيد فعلاً من دروس الغزو.