يُظهر فيض من الأدلة أن التمرن بانتظام يحد من خطر الإصابة بمرض السرطان. على نحو مماثل، يُعتبر مَن نجحوا في محاربة هذا المرض أقل عرضة للإصابة به مجدداً، إن قاموا بنشاط جسدي مكثّف بعد العلاج. وتشير كل هذه الملاحظات إلى أن النشاط يولّد رد فعل في الجسم ينجح في كبح الخلايا السرطانية. لكن تفاصيل هذه العملية ظلت مبهمة، إلى أن أكّد فريق بقيادة بيرنيل هويمان من مستشفى كوبنهاغن الجامعي في الدنمارك في مجلة Cell Metabolism أنه اكتشف أن الأدرينالين يمثل مفتاح هذا اللغز.

Ad

بدأت الدكتورة هويمان عملها بالتحقق مما إذا كان للتمرن حقاً تأثيرات مفيدة مضادة للأورام. فأعطت هي وزملاؤها بعض الفئران في المختبر دواليب تستطيع هذه الحيوانات الركض داخلها قدر ما تشاء. في المقابل، لم يسمح الفريق لمجموعة أخرى من الفئران بالقيام بأي نشاط غير التنقل داخل قفصها. عمل الباحثون بعد ذلك على تحفيز الفئران في كلتا المجموعتين للإصابة بثلاثة أنواع من السرطان. فحقنوا بعضها بمادة تُدعى ديثيلنيتروسامين تسبب سرطان الكبد، وحقنوا البعض الآخر تحت الجلد بعدد من خلايا الورم الميلانيني، التي بدأت تتفشى في موضع حقنها. أما المجموعة الثالثة، فحُقنت بخلايا الورم الميلانيني في ذيلها، علماً أن دراسات سابقة أظهرت أن هذه الخطوة تؤدي لدى الفئران إلى تشكّل أورام ميلانينية في الرئتين.

كشفت النتائج التي توصلوا إليها عن معلومات قيمة. صحيح أن كل الفئران التي حُقنت تحت الجلد بخلايا الورم الميلانيني أُصيبت بالسرطان، إلا أن أورام الحيوانات التي استطاعت استعمال الدواليب كانت أصغر بنحو 61% بعد مرور ستة أسابيع، مقارنة بأورام الفئران التي عجزت عن التمرن. وشهدت أورام الرئة تراجعاً بسيطاً في الحجم (58%). أما في حالة مادة الديثيلنيتروسامين، فلم يُصب سوى 31% من الفئران التي تضم أقفاصها الدواليب بأورام، مقابل 75% من الفئران التي لم يُسمح لها بالتمرن.

في محاولة لفهم لمَ تؤدي التمارين إلى نتائج مماثلة، درست الدكتورة هويمان وفريقها بعض الأورام التي تسببوا بها تحت المجهر. فاكتشفوا أن أورام الفئران التي تمرنت جيداً احتوت عدداً أكبر من الخلايات المناعية، مقارنة بأورام مماثلة من الحيوانات غير الناشطة. فقد ضمت الأولى ضعف عدد الخلايا التائية السامة، التي تقتل خلايا الجسم المتضررة، المعطَّلة، أو المصابة بفيروس، فضلاً عن خمسة أضعاف عدد الخلايا الفاتكة الطبيعية، التي تشكّل نظام إنذار يلفت انتباه الخلايا المناعية الأخرى.

تعديل الخلايا

على ضوء هذه الاكتشافات، كررت الدكتورة هويمان هذه التجربة، إنما استخدمت هذه المرة فئراناً معدلة وراثياً لتفتقر إلى الخلايا التائية السامة. فاكتشفت مجدداً أن الفئران التي حظيت بالدواليب أُصيبت بأورام أصغر حجماً. ويشير هذا إلى أن الخلايا الفاتكة الطبيعية تشكّل العامل المسؤول عن هذا التبدل، لا الخلايا التأئية. وهذا ما أكّدته تجربة هويمان الثالثة. فقد عطّلت خلال هذه التجربة الخلايا الفاتكة الطبيعية بإعطاء الفئران أجساماً مضادة لإزالة هذه الخلايا من دون المساس بأي جزء آخر من جهاز المناعة. فلاحظت أن أورام كل الفئران، سواء كانت تستطيع الركض على الدولاب أو لا، بلغت الحجم ذاته مع إزالة الخلايا الفاتكة الطبيعية.

تدرك الدكتورة هويمان من أعمال سابقة أن الإبينفرين (هرمون يُعرف عموماً بالأدرينالين) قادر على تحفيز الخلايا الفاتكة الطبيعية. وتعي أيضاً أن معدلات هذا الهرمون في الدم ترتفع خلال فترات النشاط الجسدي. نتيجة لذلك، تساءلت عما إذا كان الإبينفرين المسؤولَ عن تأثيرات التمرن المحاربة للسرطان.

لمعرفة الجواب، أجرت هذه الباحثة تجربة رابعة حقنت فيها الفئران، التي حُفّزت لتُصاب بالسرطان، بالإبينفرين أو بمحلول ملحي. فجاء أداء هذا الهرمون ممتازاً: حدّ من نمو الأورام بنسبة 61% في حالة الفئران التي لم تستطع التمرن على الدواليب. لكن هذه النتيجة لم تكن بالقدر ذاته من الأهمية كما تراجع حجم الأورام بنسبة 74% في مجموعة الفئران التي تمرنت بانتظام. نتيجة لذلك، استخلص الفريق أن ثمة عاملاً أخرى يؤثر في هذه العملية، وعثروا عليه في الإنترلوكين-6.

ترتفع معدلات هذا الجزيء أيضاً خلال التمرن، فضلاً عن أنه يساعد الخلايا المناعية في التركيز على الأورام. لذلك، عندما عرّضت الدكتورة هويمان وزملاؤها الفئران الخاملة للإبينفرين والإنترلوكين-6 على حد سواء، هاجم جهاز مناعة هذه القوارض الأورام في جسمها بالفاعلية ذاتها كما في حالة الحيوانات التي تمرنت بانتظام على الدولاب.

إذاً، تشير اكتشافات الدكتورة هويمان إلى أن من الممكن استعمال الإبينفرين والإنترلوكين-6 كدواءين محاربين للأورام. لا تقترح هذه الباحثة بالتأكيد استبدال التمرن بهاتين المادتين، ولا سيما في حالة الكسالى. ويعود ذلك خصوصاً إلى أن فوائد التمرن لا تقتصر على الحد من نمو الأورام. لكن المرضى المسنين أو العاجزين عن القيام بنشاط جسدية قد يحظون بفوائد التمرن المضادة للسرطان من دون الحاجة إلى بذل جهد كبير.