«رادو» العود
قبل نحو نصف قرن، كان هذا الشايب حريصاً على متابعة ما حولنا من أخبار وأحداث، كان هو "المثقف" الوحيد من أهل المنطقة، فالكل يحرص على أن يستقي منه الأخبار ويسمع منه "علوم" العالم. وسيلته الوحيدة كانت "رادو" متوسط الحجم يقوم بالبحث عن قنوات الأخبار وبعدها يلف الشريط الجلدي على معصمه ويقرّب "الرادو" إلى صدغه الأيسر ثم ينحني إليه، أما يده اليمنى فلها استخدام آخر، يرفعها في وجه أي شخص يعتقد أنه ينوي أن يتحرك أو حتى يتنفس، عندما يرى الشخص الآخر يده يقوم "العود" بخفضها عدّة مرات بمعنى "اسسسكت"، فيلتزم الجميع. وعند مرور طفل أثناء فترة الأخبار فإنه يحصل على "طراق" محترم يمنعه من دخول الديوانية... أسبوعاً. سياسة "تسكيت" الشايب كانت متعمدة أحياناً لإثبات أهمية ما يسمعه وخلق هالة إعلامية تصب في مصلحة "سوالفه" على أقرانه بعد سماع النشرة!حفيد "العود" يذكر جده بالخير، ويترحم على أيامه وسوالفه ومعلوماته "المضبوطة"، و"رادوه"، ويتأسف لفقدان "الرادو" الذي يمثل اليوم جميع وسائل التواصل مجتمعة.
قبل أسبوع فقط وجدنا "الرادو" واكتشفنا صاحبه الجديد! لا نعلم لماذا يحتفظ به ولا أهمية "الرادو" بالنسبة إلى هذه الشخصية "المهمة"، ولكن الذي نعلمه أن هذا "الشخص" قد سمع شيئاً لم يسمعه غيره "واستخبر" معلومات غابت عن العالم بأسره، حتى أصحاب القضية أنفسهم، فخرج علينا "بمطمة" أعيت من سمعها، نزّل "الرادو" الذي لا يعمل أصلاً وتنحنح ومسح لحيته ونظر حوله وأطلق رأيه بكل برود، خلفية المشهد 10 ملايين مشرد ومليون شهيد و3 ملايين جريح وبلد مدمر بالكامل ومسلمون يستصرخون نخوته، لا يريدون تدخله "الديني" أو فتاواه المعلبة "البايتة".أحدهم وقف وقال: نحن لم نخرج على الطاغية وحزبه الكافر، ولكن هو من خرج علينا، فالبداية كانت باختطاف الحرائر بنات الرجال واغتصابهن وتعذيبهن وحلْق شعورهن وإلقائهن قرب مزبلة المدينة. وبعدها خرج المراهقون تفور في عروقهم غيرتهم على أعراض أخواتهم، تم اختطافهم أيضاً والتنكيل بهم، فبدأوا يتساقطون صرعى كل ليلة، وعندما سأل عنهم أهلهم جاءهم الرد "اسمع الرد يا رجل"... ليس لكم عندنا أطفال، وإذا أردتم أطفالاً فأتوا بنسائكم لنبدأ نحن العسكر بعملية إنتاج الأطفال بالنيابة عنكم.هذا هو أصل الحكاية يا أستاذ عبدالرحمن، الموضوع أن أهل سورية يا سيادة المشرع يموتون من أجل شرفهم وكرامتهم فقط، ألق "الرادو" وانظر إلى مأساة أهل الشام وأسطورة ملحمتهم. ولنتعلم جميعاً منهم... لا تدري فقد تحتاج إلى خبرتهم يوماً ما.