لأن الدول ليس بمقدورها أن تختار الجار الذي تريده والذي يُريحها، فإنّ من سوء حظ الكويت أنْ يدخل العراق، البلد العظيم والشعب الطيب، في دوامة العنف وعدم الاستقرار منذ عام 1958 عندما ابتُلِي بالانقلاب العسكري الذي قاده عبدالكريم قاسم ونظر إليه الشيوعيون "تجاوزاً" على أنّه ثورة "تقدمية" ضد القهر والظلم والطغيان، وذلك مع أنّ بلاد الرافدين لم تشهد طغياناً وقهراً بعد جنكيز خان وهولاكو التتار أكثر من الطغيان الذي بقي مستمراً وسائداً منذ ذلك الانقلاب العسكري... وحتى الآن!

Ad

والمعروف أنّ الكويت، بحكم علاقات الجوار والتداخل الجغرافي وإلى حدٍّ ما السكاني، بقيت تعاني موجاتِ عدم الاستقرار التي بقيت تضرب العراق منذ ذلك الانقلاب الدموي الذي أطاح النظام الملكي الذي تقتضي مراعاة حكم الضمير الحي الاعتراف، بعد كل هذه الأعوام الطويلة وبعد كل هذه التجارب المريرة، بأنّه من كل النواحي أفضل نظام مرَّ على هذا البلد في تاريخه السابق واللاحق، وربما لا يعرف الذين يتابعون هذا الأمر من بُعد أنّ بعض العراقيين يذرفون الآن على فيصل الثاني وعلى نوري السعيد الدموع الغزيرة.

والمستغرب حقاً أن هذا النظام، الذي أُقيم وفقاً للمعادلة التي رسمها وفرضها على العراقيين المندوب السامي الأميركي بول بريمر، مثله مثل نظام صدام حسين البائس، قد رسّخ اعتبار ذلك اليوم الأسود الذي أطيح فيه بالنظام الملكي عبر انقلاب عسكري دموي (الرابع عشر من يوليو عام 1958) عيداً وطنياً، مع أن المفترض أن يكون مناسبة للبكاء والعويل وقدّ الجيوب والحزن وطلب المغفرة من العلي القدير لارتكاب تلك الجريمة التاريخية.

كان العراقيون، الذين يستحقون كل الخير، يحلمون عندما شاهدوا تماثيل صدام حسين تتهاوى وعندما شاهدوه لاحقاً في قفص الاتهام بعودة بلدهم إلى استقرار أيام العهد الملكي، وكانوا يتوقعون مرحلة ارتياح طويلة ينعمون فيها بخيرات بلدهم، بلد دجلة والفرات والنعم الوفيرة، لكن تلك الأحلام الوردية، ما لبثت أنْ تبددت عندما دخل هذا البلد العظيم في نفق مظلم بلا أي بصيص ضوء في نهايته، وعندما تحولت حتى العاصمة العباسية إلى زواريب طائفية متصارعة يتحكم في أمنها واستقرارها تنظيم إرهابي دموي هو تنظيم "داعش".

إن هذا من المُفترض أنْ يجعل الشعب الكويتي لا ينام ليله الطويل بلا كوابيس وأحلام مرعبة فـ"قَريص الأفعى يخشى جرة الحبل"، ويقيناً فإن الكويتيين معهم كل الحق عندما يتابعون ما يجري في العراق بقلق وأرقٍ، هذا الجار العزيز الذي يعاني عدمَ الاستقرار وانعدام الأمن والتذابح الطائفي ورعب التنظيمات الإرهابية المتوحشة التي تفوقت على "القرامطة" وعلى "حشّاشي" حسن الصباح، فالمعروف أن الجار مهما حاول الابتعاد عن ألسنة النيران المندلعة في بيت جاره لا يمكن إلا أنْ يصيبه ولو بعض الشرر.

هذه ليست دعوة للحذر أكثر من اللزوم، بل هي مجرد تأكيد للحقيقة القائلة إن الجار لابد أن يتأثر بما يجري في بيت جاره، إن خيراً وإنْ شراً... وأسأل الله أن يُزيلَ هذا الغمامة السوداء التي تَلف العراق الآن، وأن يحمي الكويت العزيزة ويُرسّخ استقرارها ويديم سعادة وأمن شعبها.