سبع سمان... وأُخَرُ عجاف

نشر في 23-01-2016
آخر تحديث 23-01-2016 | 00:00
 يوسف عوض العازمي من الأمور المتوقعة لأي دولة، مرورها بأزمات اقتصادية، أو فترة رواج، وهي أيام تتداول بين الناس، فدوام الحال من المحال، لذا تسعى الدول إلى استقطاب المستشارين الاقتصاديين المتمرسين ذوي الخبرة، والقدره على استنباط العبر، ومن ثم ابتكار الخطط القريبة والمتوسطة والبعيدة المدى والاستراتيجية.

وكما يوجد في أي مؤسسة اقتصادية مالية إدارة للمخاطر، كذلك توجد في أي دولة مجموعات لجان للطوارئ والأزمات والإدارة وتقديم الحلول لأي مشكلة طارئة، سياسية كانت أو أمنية أو اقتصادية، أو مناخية، وغيرها.

ولنا في القرآن الكريم عبَر ومواعظ، حيث قدم لنا إحدى أجمل وأغنى قصص الأنبياء عليهم السلام، ومن ضمن القصص ما ورد في سورة يوسف عليه السلام، والأحداث التي مرت عليه مذ كان في السجن، إلى أن جُعِل على خزائن الأرض، "قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ".

وكل مسلم يعرف قصة تأويل الرؤيا، التي فيها سبع بقرات سمان، كما ورد في سورة يوسف: "يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ أَفْتِنَا فِي سَبْعِ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعِ سُنبُلاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ لَّعَلِّي أَرْجِعُ إِلَى النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَعْلَمُونَ، قَالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَبًا فَمَا حَصَدتُّمْ فَذَرُوهُ فِي سُنبُلِهِ إِلاَّ قَلِيلاً مِّمَّا تَأْكُلُونَ، ثُمَّ يَأْتِي مِن بَعْدِ ذَلِكَ سَبْعٌ شِدَادٌ يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إِلاَّ قَلِيلاً مِّمَّا تُحْصِنُون، َثُمَّ يَأْتِي مِن بَعْدِ ذَلِكَ عَام فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ".

لقد كان تأويل يوسف، عليه السلام، للرؤيا بقدوم سبع سنوات من الأمطار والزراعة وكثافة الإنتاج، وبعدها ستتبعها سبع سنوات من الجدب والقحط وانقطاع المطر، هذه الرؤيا التي تعبر عن النظرة الاقتصادية الواسعة، بعيدة النظر، والتي قدم خلالها يوسف، عليه السلام، فكراً اقتصادياً خلاقاً، وكان بتأويله للرؤيا يعطي دلالة على معرفته وعلمه بالزراعة وأحوالها، حين قدم لهم وصفة النجاة ونصحهم بالاقتصاد وعدم الإسراف، والاستهلاك المدروس لموارد البلاد، رغم كثرة المحصول وكثافته، وهذا سلوك منافٍ للفطرة وللطبيعة البشرية، حيث يكون السلوك الاستهلاكي في أعلى معدلاته في أوقات الرواج، كما نصح بالاحتفاظ بالمخزون في السنابل، لأن ذلك أبقى له وإطالة لعمره.

وهنا تتبين النظرة الثاقبة ليوسف، عليه السلام، في التجهيز للأزمة والاستعداد لها قبل سبع سنوات من وقوعها، وهنا تجسيد واقعي وعملي لإدارة المخاطر والأزمات الاقتصادية، فمثلاً في دولة يكون موردها الرئيسي الزراعة، قد تتعرض أراضيها للجدب، أو التعرض لاحتمال آخر لا يقل عن ذلك أهمية، وهو توفر موارد بديلة للزبائن الحاليين، في المستقبل، وهنا يأتي دور مخططي المستقبل الاقتصادي، من حيث تنويع الموارد والاستثمارات، وعدم الاعتماد على مورد واحد، قد يتعرض للجدب، أو النضوب.

لقد كان يوسف، عليه السلام، أول من وضع قواعد الإدارة الحكومية للادخار، والاستثمار المستقبلي، حيث وثق القرآن الكريم ذلك، وجعله مذكوراً كدرس اقتصادي مهم، على مر التاريخ، ولا ننسَ أنه أول من عرف وشرح الدورات الاقتصادية من حيث الرواج والكساد، فجعل قياس هذه الدورات بمدة سبع سنوات كعمر متوقع للدورة الاقتصاديه الواحدة.

ومن أبرز ما يستفاد من قصة يوسف، عليه السلام، الاستعداد للأزمات قبل حدوثها، حيث يكون التوقع والاستشراف أهم من العلاج، أو كما يقول المثل "الوقاية خير من العلاج"، إضافة إلى الاهتمام بالاستثمارات الطويلة المدى، وترسيخ مبدأ تولي الأكفأ سدة القرار، وما يتطلبه ذلك من أمانة، وأخلاق، ومعرفة وجرأة في قول الحق فالقيادة أمانة قبل أي شيء.

أخيراً، فإن من أهم الدروس المستقاة من هذه القصة إثارة الرأي والفكر، في كيفية مواجهة الإدارة الاقتصادية، التي تعتمد بالأصل على موارد قد تكون ناضبة في أي وقت، وهنا دور القيادات الموهوبة في تعيين الأسباب التي تؤدي إلى استمرار رفاهية البلاد، بإدارة مدروسة، تتوافر فيها كل أسباب العلم، والإمكانات التي تساعد صاحب القرار، على إدارة سهلة وممنهجة للبلاد، وهي قيادات من أبرز صفاتها الأمانة والعلم والخلق السليم والبعد عن الشبهات والمصالح، والإخلاص للبلد.

back to top