إذا لم نعرف احتياجنا فلن نعرف من نحتاج، وإذا لم يكن لدى قلوبنا بوصلة دقيقة تشير إلى الاتجاهات داخلها وليس خارجها، فلن نتمكن من الوصول آمنين إلى قلوبنا، ولن تصل هي إلينا بسلام، بوصلة تحدّد لنا أي الاتجاهات نسلك للوصول إلى الثقب الذي تنفذ منه آمالنا، وتتسرب من خلاله أمانينا، وإلى ذلك الشبّاك المكسور في إحدى زوايا القلب، والذي عرفت طريقه الرياح السيئة، وأضحت تخاتل قلوبنا من خلاله، وتعصف بها وتحيلها إلى خراب بفضل ذلك الشباك المتواطئ، مما يجعل إعادة إعمارها مهمة شاقة إن لم تكن مستحيلة، إذا لم يكن لدينا تلك البوصلة التي تدلنا على مواطن ضعفنا، وتساعدنا على رسم خريطة طريق للوصول إليها فستبقى قلوبنا متسوّلة على أرصفة الحياة تمدّ يدها طالبة العون من كل عابر سبيل يمر من أمامها، تفرح بكل قطعة صدقة من العواطف ترمى في كفّها، وسنبقى عاجزين عن معرفة الفرق بين الذي يستطيع حقاً أن يرفع عنها عوز الحب ويغْنينها به، وبين الذي بالكاد يسدّ رمق حاجتها منه.
وأظن أن كثيراّ من النكسات في الحب والانكسارات يعود إلى قلة الوعي باحتياج قلوبنا وأرواحنا ممن يوقعنا بالأشخاص الذين لا نحتاج إليهم، أولئك الأشخاص الذين يكونون أبعد ما يكون عن تلبية حاجاتنا الفعلية، بل يكونون غالباً عبئاً إضافياً على كاهل قلوبنا تستمر قلوبنا بحمله وهي تنزف من دم فرحتها الكثير، مما يضاعف من هوانها.الإشكالية الأكبر أن كثيراً منا على ثقة بأنه يعرف تماماً احتياجات قلبه، إلا أن هذه الثقة تسقط عند أول اختبار لها، إذ يسهل اكتشاف أن هذه المعرفة شبه إطار عام لا يعكس الملامح الشخصية لذات الفرد كأن يقال "أحتاج من يفهمني"، ولكن دون تحديد لماهية هذا الفهم وكيفيته، وأي النواحي التي لها الأولوية لديه في هذا الفهم، ودون أن يبيّن ما إذا كان هو نفسه من أولئك الذين يسهل فهمهم، أو أولئك الذين يعتقدون أن الغموض هو سر جاذبية الآخر لهم!البعض الآخر يشرح احتياجه بكلام شاعري جميل تُجنّح به أجمل التعابير والصور، ولكنه لا يعرف فعلاً كيف تُترجم هذه الكلمات إلى سلوك مادّي ملموس كأن يقول: "أحتاج لمن يجعل قلبي قطرة ندى"! هذا كلام أخضر ولكنه لا يساعد الفرد على تبين الطريق إلى مفتاح الإنارة في قلبه ليضيئه، ولا يرشده إلى تلمّس احتياجه، فكيف بشخص آخر أن يفعل؟!إن معرفة احتياج قلوبنا وأرواحنا ليست بالأمر السهل ولا الهيّن، وليست من الأسئلة التي نجد إجابتها ملقاة أمام أعين عقولنا عند قارعة التفكير، إن هذه المعرفة لن تتأتى لنا إلا من خلال إضاءة قناديل قلوبنا، وسفر عميق في جوهرنا لاكتشاف ذواتنا واختبار معدنها لمعرفة جوانب نقصها ونقاط ضعفها، لنتمكن بالتالي من معرفة ما تحتاج إليه قلوبنا لتكتمل، ثم بعد ذلك نستطيع أن نعرف من هو هذا الآخر الذي يمكن يكمّلها.لنُضئ قناديل قلوبنا لنعرف ما ومن نملؤها به!
توابل
أضئ قنديل قلبك!
31-03-2016