باسمة العنزي كاتبة تمتاز بقدرتها على التكثيف والاختزال بدون إبهار لغوي زائد عن الحاجة، وأيضا باهتمام كبير بسلاسة المفردة وانسياب الجمل وجمال الصورة التي تحاول التقاطها لشخصياتها. وهي أيضا كاتبة تحافظ على أناقة خاصة في السرد لا تغرق كثيرا في التفاصيل التي تحتاجها الشخصية حتى تلك الشاذة كمنصور لافي أحد أبطال روايتها الجديدة "قطط انستغرام" الصادرة حديثا عن دار العين.

Ad

عوالم باسمة العنزي منذ روايتها السابقة "حذاء أسود على الرصيف" تبدو عوالم مدنية أو بمعنى أكثر دقة عوالم حضرية، خصوصا في المفهوم المتعارف عليه للمكان. وحتى تلك الشخصيات المهمشة، التي عادة تنتمي إلى طبقة اجتماعية مجاورة لعالم المال، تعيش صراعها ضمن حيز هذا المكان الحضري، فلا نرى في أعمال باسمة تفاصيل مكانية أخرى لحيواتهم. ويبدو أن هذا المكان هو الملعب الذي تجيد باسمة الجري في مضماره براحة تامة، وهو حق مشروع في الاختيار.

في عوالم قطط الانستغرام تتمركز القصة التي تناولتها بذكاء شديد ودون مباشرة فيما يعرف بالتحول. وهو انتقال شخصية ما من وضع إلى آخر دون أن تبذل هذه الشخصية جهدا في هذا التحول. فمنصور لافي الرجل "الساقط /المرابي/ الوضيع" لا تتحول شخصيته منذ الطفولة حتى الرجولة إلى الأفضل، ولا تسقط عنه هذه الصفات لنمو النقيض في سلوكه، ولكن لأن الآخر، وهي هنا إحدى نساء الرواية، رأته بمقاييس اجتماعية جديدة فرضتها سطوة المال القذر الذي بإمكانه أن يخلق قيمة اجتماعية جديدة لصاحبه.

أحلام بطلة الرواية تمثل هنا شريحة من شرائح المجتمع التي تخرج الفاسد من دائرة الفساد إلى دائرة النضال والعصامية. وهي لا تكتفي في تقييمه تقييما منافيا لحقيقته وإنما تقرر أن ترتبط به كما ارتبط به الأغلبية من تجار الميديا ورموز الإعلان والإعلام. أحلام المرأة المتهافتة على بضاعة الصف الأول من الأثرياء وماركات أصحاب الثراء الفاحش تبحث عن غايتها بالوسيلة التي تراها مناسبة، وإن كان التنازل عن أخلاقيات لم ترثها من والدها. وهي أيضا ترى أن غاية منصور، وهو وسيلتها لغايتها، لا يضيرها سقوط أخلاقه في سبيل تحقيقها. وما تشير إليه باسمة هنا هو أن الفسدة في المجتمع يتآلفون تحت تبريرات مختلفة أقنعوا أنفسهم بها، وتنساق إليهم شرائح أخرى حتى تسقط القيم تماما تحت سطوة قيم المال الجديدة.

"نحن لا نحب الأشرار ولا القساة، كل ما نفعله أننا نجملهم بحجج كثيرة، نغض نظرنا عن الزوايا التي يتداولها الناس، نبقي صفاتهم السيئة داخل جيوب معطف المعرفة الواسع" ص137.

وأحلام ليست صورة نمطية للمرأة المنساقة خلف وهم الثراء، وتصويرها كامرأة ناضجة يحسب للروائية لإبعاد تبرير الطيش، هي تمثل المرأة ك"جندر" اجتماعي وليس أنثويا في ممارسة سلوك تبرير فساد منصور يشترك فيه زيد البياع وكثيرون غيرهم بغض النظر عن جنسهم. ما يخل بنمطية صورة أحلام صورة جارتها التي تقاوم إغراءات منصور لافي لاستغلالها كوجه له حضوره في الميديا، وتحاول جاهدة استعادة الوجه الحقيقي للمجتمع الذي ينجرف وراء الفساد رغم مقاومة كثيرين لها.

المأخذ الوحيد على الرواية هو خروجها عن السياق إلى تفاصيل أخرى كمحل "عدنان" في عمان، وهو إسقاط غير مباشر على حالة غرباء عرب ليسوا ضمن النسق الروائي وغير مشاركين فيه. وكان من الأفضل تناول حياة المغترب الكويتي من الداخل بعيدا عن المكان الخارجي الذي لم يمنح حقه في التفصيل كي لا تتشعب أحداث الرواية.