بخصوص السياسات القطرية

نشر في 20-03-2016 | 00:00
آخر تحديث 20-03-2016 | 00:00
 ياسر عبد العزيز المرونة والقدرة على تحقيق الاختراق ميزتان كبيرتان للسياسة الخارجية القطرية، وإذا اتسمت تلك السياسة أيضاً بفضيلة الاتساق فستكون سياسة عظيمة.

لا تعدم قطر نقاداً يكيلون لها الاتهامات والانتقادات في شأن أدائها السياسي النشيط والفعال، لكن أحداً لا يتهم السياسة الخارجية لهذه الدولة الخليجية بـ"العناد"، أو "قلة الحيلة".

وبقدر ما تنخرط قطر في أنشطة وتكتلات ومحاور وسياسات، بقدر ما ظلت عرضة للانتقادات والاتهامات، وكلما زادت إنجازاتها وتضاعف تأثيرها واتسع مجاله، ارتفعت وتيرة الهجمات ضدها.

لقد كان المرتكز الرئيس للانتقادات الموجهة لقطر يتعلق عادة بالتناقض البادي في سياساتها، واعتمادها، كما يقول النقاد، "سياسات متضاربة، تكيل فيها بمكاييل متعددة".

فقد كان يصعب على هؤلاء النقاد أن يتفهموا حرص قطر البادي على الحريات والديمقراطية في الدول العربية الشقيقة، والتزامها في الوقت ذاته سياسات محافظة في هذا المجال على الصعيد الداخلي.

كما كان يصعب باستمرار قبول السياسات التي كانت ترتبط من خلالها قطر بعلاقات قوية مع أطراف متحاربة أو متصارعة، أو تفهم قيامها بدعم حركات أو جماعات سياسية معينة في دول شقيقة، في وقت لا تسمح لها فيه بالعمل داخل أراضيها.

لكن المرونة والقدرة على المبادرة وتحقيق الاختراق ميزت السياسة الخارجية القطرية دوماً، وغطت الدبلوماسية الاختراقية النشطة، والقدرة الواسعة على استخدام "قوة المال السائل" على العديد من نقاط الضعف التي اعترت الأداء السياسي الشامل للدوحة.

في الأسبوع  الماضي، كان هناك خبران مهمان يتعلقان بالسياسة القطرية؛ أولهما يتصل بزيارة قام بها الأمير الشيخ تميم إلى الإمارات، والتقى خلالها ولي عهد أبو ظبي الشيخ محمد بن زايد، أما الخبر الثاني فيتصل بالإفراج عن الشاعر القطري المحبوس محمد العجمي الذيب.

كانت مواقع التواصل الاجتماعي قد ابتهجت بزيارة الشيخ تميم للإمارات، رغم أن تلك الزيارة ليست الأولى بالطبع، ولا تأتي في مفصل من المفاصل الحيوية في العلاقات الثنائية بين البلدين، لكن النشطاء على "السوشيال ميديا" اعتبروا أنها تكرس عودة العلاقات إلى الدفء بعد سنوات من البرودة والتوتر.

لا يمكن أن ننسى أن البعض استثمر في الخلاف القطري- الإماراتي كثيراً، وأن مواقع التواصل الاجتماعي بالذات كانت سجلت اشتباكات بين نشطاء من البلدين، أخذت العلاقات إلى منحى غريب على الروابط الخليجية- الخليجية، التي اتسمت عبر عقود طويلة بالود والاحترام المتبادل واللغة اللائقة والمتحفظة.

يبدو أن قطر قررت أن تطوي صفحة الخلاف مع السعودية والإمارات والبحرين إذاً، وأن تغير سياساتها تغييراً ملموساً في ما يتصل بالموقف من جماعة "الإخوان".

ويبدو أيضاً أن التوافق الكبير بين قطر وشقيقاتها الخليجيات في الملفين اليمني والسوري ساعد على إزالة الشكوك والمخاوف، كما ساعد على معالجة جراح ما جرى في زمن الاختلاف من تراشق في بعض المنابر غير الرسمية.

ترسخ تلك الزيارة إذاً القواعد التي تم الاتفاق عليها في زيارتين متبادلتين في مايو ونوفمبر من العام الماضي بين الشيخ تميم والشيخ محمد، وهما الزيارتان اللتان ترافقتا مع تقدم واضح وتوافق كبير على صعيد السياسة الخارجية لدول مجلس التعاون.

أما الخبر الثاني الخاص بالإفراج عن الشاعر محمد العجمي، والذي كان قد حُكم بالسجن 15 عاماً بتهم "التحريض على قلب الحكومة"، و"نظم قصائد تذم حكومات عربية"، فليس سوى مقاربة ذكية تحسب للحكومة القطرية.

فقطر افتتحت أمس مؤتمراً عالمياً لمعهد الصحافة الدولي، وهو المؤتمر الذي سيناقش قضايا الصحافة والإعلام، وعلى رأسها الحريات بطبيعة الحال.

لقد استبقت قطر افتتاح المؤتمر بالإفراج عن العجمي، الذي ظل حبسه لغزاً كبيراً يصعب على مؤيدي الدوحة دوماً حله، كما ظل أيضاً سبباً سهلاً لتوجيه الانتقادات، وخصوصاً لهؤلاء الذين أرادوا أن يتحدثوا عن "تناقض في السياسة القطرية"، بين دعم الحريات عبر "الجزيرة" في دول عربية أخرى، وسجن صحافي في الدوحة "لأنه نظم شعراً".

تلك خطوة ذكية، تكفي لتفويت الفرصة على نقاد الدوحة إذا أرادوا أن يستغلوا سجن الشاعر العجمي في تكدير صفو المؤتمر، لكنها لا تكفي لعلاج بعض التضارب الواضح في جوانب سياسية أخرى.

لقد كانت "الجزيرة" أحد أهم إنجازات الحكومة القطرية منذ منتصف التسعينيات الفائتة، خصوصاً بعدما استطاعت أن تعزز نفاذها وتمركزها في الوسط الإعلامي الإقليمي، وتصبح لاعباً رئيساً لا يستهان به في المشهد الإعلامي العالمي.

لكن بعض نشاطات "الجزيرة" الإعلامية الراهنة يمكن استخدامها لإثبات تسخير الحكومة لها كذراع سياسية، بعيداً عن المبادئ التحريرية والقيم المهنية، التي أعلنت الشبكة تبنيها منذ انطلاقها.

يجب أن تبحث الحكومة القطرية عن طريقة تعيد فيها الاعتبار لـ"الجزيرة"، لتصبح أكثر استقلالية ووفاء بالمعايير المهنية، وأن توقف استغلال الشبكة في تصفية الحسابات السياسية، وضرب الخصوم والأعداء، أو تقلل منه.

ستظل علاقة قطر بـ"الإخوان" أيضاً محل تساؤل مهم وسبباً رئيساً في الشكوك والانتقادات التي تمس الدوحة؛ خصوصاً بعد تصنيف التنظيم "إرهابياً" في غير دولة عربية.

على قطر أن تتوقف عن تقديم الدعم لتنظيم "الإخوان"، ليس فقط للاتساق مع مبادئ سياسية رشيدة مثل عدم التدخل في شؤون الدول الشقيقة، أو عدم تشجيع حركات وتنظيمات "مشبوهة" أو "إرهابية"، ولكن أيضاً لاحترام عقول الأصدقاء والأشقاء، الذين يدركون تماماً أن قطر لا تسمح بعمل جماعة "الإخوان" داخل أراضيها، ولا يجوز أن تطالب الآخرين بما تحجم هي عنه.

سيقودنا ذلك إلى إثارة نقطة تتعلق بالملف السوري، إذ يوجه العديد من النقاد اتهامات إلى قطر بمساندة منظمات يمكن وصفها بـ"الإرهابية"، وهو أمر يتصل أيضاً بأدوار مشابهة نُسبت إلى قطر في الملف الليبي.

لا يمكن لأحد أن يضع حدوداً لطموح السياسة الخارجية القطرية، لكن حفاظ الدوحة على درجة من الاتساق بين ما تقول وتفعل سيكون مفيداً وإيجابياً، وفي هذا الصدد فإن دعم "الثوار" أو "المقاومين" سيبقى دوماً محل تقدير، لكن دعم الحركات المشبوهة و"الإرهابية" قد يشوش على الدور وينال من السمعة.

المرونة والقدرة على تحقيق الاختراق ميزتان كبيرتان للسياسة الخارجية القطرية، وإذا اتسمت تلك السياسة أيضاً بفضيلة الاتساق فستكون سياسة عظيمة.

* كاتب مصري

back to top