صباح 14 يناير 2011، كان الشارع في تونس يغلي ضد نظام زين العابدين بن علي، ما ولّد «ثورة» أطاحت بالرئيس التونسي وأطلقت «الربيع العربي» الذي تحول خلال السنوات الخمس الماضية إلى زلزال جيوسياسي في المنطقة وانفجار للتهديد الجهادي.

Ad

ولعل تونس التي انطلقت منها الشرارة تبقى الاستثناء الوحيد في المنطقة لجهة تجنب الوقوع في الفوضى التي عمت ليبيا وسورية واليمن أو العودة إلى القمع مثلما حصل في مصر.

مساء 14 يناير 2011، هرب بن علي إلى السعودية وأصبح أول رئيس عربي يترك الحكم تحت ضغط الشارع.

وكانت الثورة التونسية بدأت في 17 ديسمبر 2010 في سيدي بوزيد (وسط)، عندما أضرم البائع المتجول محمد البوعزيزي (26 عاماً) النار في نفسه أمام مقر الولاية احتجاجاً على مصادرة الشرطة البلدية عربة الخضار والفاكهة التي كان يعتاش منها.

وتوفي البوعزيزي في الرابع من يناير 2011 في المستشفى متأثراً بحروقه البالغة، وأطلقت وفاته احتجاجات شعبية عارمة قمعتها قوات الأمن ما أسفر عن مقتل 338 شخصاً.

انتقال ديمقراطي

ونجحت البلاد في تحقيق انتقال ديمقراطي «كتابة دستور جديد وتنظيم انتخابات حرة في 2014» رغم توترات وأزمات طبعت السنوات الخمس الماضية، وبينها أعمال عنف واغتيال معارضين ومقتل عشرات من عناصر الأمن في هجمات وكمائن، وتفجيرات.

بعد هروب بن علي، تنحى الرئيس المصري حسني مبارك عن الحكم بعد ثورة استمرت 18 يوماً وقتل فيها 850 شخصاً، وقتل الزعيم الليبي معمر القذافي في 20 أكتوبر 2011 إثر انتفاضة بدأت في بنغازي وتلقت دعماً من حلف شمال الأطلسي ما ساهم في تمددها.

في سورية، بدأت الاحتجاجات في 15 مارس 2011، لكن نظام بشار الأسد بقي في بالسلطة، وتشهد البلاد اليوم وحرب شاملة أسفرت حتى اليوم عن مقتل أكثر من 260 ألف شخص وتسببت في تهجير ملايين السوريين.

ويجسد النزاع السوري خصوصاً انهيار أوهام «الربيع العربي».

ديموقراطية فاعلة

ويروي نائب رئيس البنك الدولي في كتاب نُشِرَ أخيراً حول انطلاق الربيع العربي «كانت تلك الأيام مفعمة بالحماسة، وانتشرت على إثرها حمى الديموقراطية».

إلا أنه يُضيف «لكن كيف يمكن لبلد يفتقر إلى التقاليد الديموقراطية ويملك مؤسسات ضعيفة أن يتحول إلى ديموقراطية فاعلة وأن يُحسّن ظروف حياة مواطنيه؟ الجواب سلبي حتماً».

في مصر، تبخرت الآمال سريعاً، وبعد تجربة قصيرة لجماعة الإخوان المسلمين اتهمت خلالها بالتفرد في السلطة، عاد الجيش ليحكم بقبضة من حديد بعدما أطاح الرئيس عبدالفتاح السيسي، قائد الجيش سابقاً، بالرئيس محمد مرسي، ونفذت السلطات حملة قمع ضد جماعة الإخوان المسلمين وفي صفوف الحركات المؤيدة للديمقراطية.

فوضى

في ليبيا، تتنازع على السلطة منذ 2014 حكومتان وتعم الفوضى في البلاد، وإثر مفاوضات طويلة برعاية الأمم المتحدة، تم التوصل إلى اتفاق على تشكيل حكومة وحدة وطنية في هذا البلد، لكن هذه الحكومة لم تر بعد النور بسبب معارضة بعض أطراف الصراع لاتفاق السلام، فيما أجزاء واسعة من البلاد تشهد معارك وأعمال عنف.

في منطقة الخليج العربي، تتواصل في اليمن والبحرين صراعات أذكتها خلافات مذهبية، ويشهد اليمن حرباً حقيقياً تشارك فيها دول إقليمية بارزة.

ويقول المحلل الرئيسي في «مجموعة الأزمات الدولية» مايكل العياري لوكالة فرانس برس «كان الربيع العربي لحظة تاريخية مماثلة للحظة سقوط جدار برلين من حيث إعادة توزيع الخرائط الجيوسياسية، كما حصل بداية التسعينات»، مشيراً إلى صعوبة توقع ما ستؤول إليه الأوضاع في المنطقة العربية.

وقال العياري «التحالفات تبنى ثم تتفكك، لا قراءة واضحة للوضع، لدينا انطباع بأننا في مرحلة فراغ، لكن نحن إزاء مسارات ستستمر عقوداً».

حوار وطني

وتمكنت تونس، على عكس الدول الأخرى، من تغليب التوافق، بفضل «الحوار الوطني» الذي قادته لجنة رباعية منحت نتيجة لجهودها «جائزة نوبل» للسلام لعام 2015.

ويقول العياري «تمت تسوية الأزمة السياسية الكبيرة التي شهدتها سنة 2013، وبات الكثيرون يتحدثون عن الاستثناء التونسي، إنه بلد صغير يتمتع بثقافة الحوار ومساحات للنقاش».

إلا أنه يشير إلى وجود عوامل أخرى ساهمت في ما آلت إليه الأوضاع في تونس بينها التوترات الجيوسياسية العنيفة والتحديات التي تطرحها في الدول الأخرى.

إلا أن الخطر الجهادي المتنامي نتيجة الاضطرابات في دول الربيع العربي، يهدد الانتقال الديمقراطي الهش في تونس، وشهدت البلاد في 2015 ثلاثة هجمات دموية تبناها تنظيم داعش وأسفرت عن مقتل 59 سائحاً أجنبياً و13 من عناصر الأمن.

انتعاش

وقُتِل السياح الأجانب في هجومين استهدفا متحف باردو في العاصمة وفندقا في سوسة (وسط) وألحقا أضرار بالغة بالسياحة، أحد أعمدة الاقتصاد في تونس.

ومطلع ديسمبر الماضي، حذّر محافظ البنك المركزي التونسي من أن اقتصاد البلاد لن يشهد انتعاشاً قبل 2017 داعياً التونسيين إلى «الصبر».

من ناحيته توقع الرئيس الباجي قائد السبسي أن تشهد بلاده في 2016 «انطلاقة جديدة نحو تحقيق أهداف الثورة».

وتعهد قائد السبسي (89 عاماً) بـ «احترام حرية التعبير» التي يعتبرها التونسيون «المكسب الوحيد للثورة».