عبر مسيرة طويلة وشاملة للمرأة العربية في مجال العمل القضائي، وبالتحديد منذ نهاية خمسينيات القرن الماضي، وانطلاقاً من المغرب والعراق، الدولتين السباقتين في تعيين النساء في مناصب قضائية، حتى يومنا هذا، وعلى امتداد الساحة العربية في (18) دولة عربية من أصل (22)، أثبتت المرأة العربية القاضية، وأكدت جدارتها في العمل القضائي.
لقد وضحت هذه المسيرة بكل جلاء عدم صحة تلك المزاعم والادعاءات التي كانت تشكك في مقدرة المرأة العربية على تولي المناصب القضائية، كما فندت كل المخاوف المجتمعية التي أشاعها وزرعها ورسخها الممانعون المحذرون من تولية المرأة القضاء، تارة بحجة أنها ولاية عامة محرمة شرعا على المرأة، وتارة ثانية بأن المرأة تحكمها العاطفة في الحكم القضائي، وتارة ثالثة بأن العادات والتقاليد والمواريث الثقافية لا تتقبل عمل المرأة القاضية.لقد فندت المرأة القاضية بنجاحها هذه "الفوبيا" ضد عملها القضائي، ونقضت كل المفاهيم الخاطئة التي تم زرعها في التربة المجتمعية عن دور "العاطفة" في إصدارها للأحكام القضائية، وقد ثبت اليوم، وعبر هذه المسيرة الطويلة، أن كل تلك المخاوف والمزاعم والادعاءات لا سند لها، لا من الدين ولا من القانون ولا من المجتمع، فالقاضي، رجلاً كان أم امرأة، يحكم وفقاً للقانون لا للعاطفة، وبما لديه من مستندات وأدلة، وتخضع أحكامه للرقابة والتفتيش القضائي.ذلك كله بعض ما جاء في مؤتمر "المرأة والقضاء.. تجربة المرأة العربية في القضاء"، بتنظيم من "الجمعية الثقافية الاجتماعية النسائية" يومي 2 و3 مارس في الكويت.فعلى مدار يومين حافلين بالمناقشات الحيوية الثرية، استمتع الحضور المشاركون، بحديث القاضيات العربيات والخليجيات، حول مسيرتهن العلمية والعملية التي أهلتهن للوصول إلى تقلد مناصب قيادية في بلادهن، بدعم من قيادات مستنيرة، مؤمنة بحق المرأة في العمل بالقضاء، كما سلطن الأضواء الكاشفة على نوعية المعوقات العملية والأسرية التي واجهنها في البدايات، لكن سرعان ما تغلبن عليها، وحققن نجاحات وإنجازات هي مصدر فخر للمرأة العربية، وهي كلها تجارب مشرقة ومشوقة، ينبغي تسجيلها وتوثيقها وتسليط الأضواء عليها ونشرها، تحفيزاً وتشجيعاً للأجيال الجديدة من النساء العربيات والخليجيات للالتحاق بالسلك القضائي.لقد أتاح المؤتمر، بحسن تنظيمه وشمول محاوره وتنوع حضوره، فرصة رائعة للتعارف والتلاقي وتبادل الخبرات بين القاضيات العربيات العريقات في العمل القضائي، والقاضيات الخليجيات حديثات العهد بالقضاء، إذ إن أول قاضية خليجية منى جاسم الكواري تم تعيينها بالبحرين 2006.لقد تحدثت القاضيات الخليجيات حول أنهن لم يجدن أي ممانعة مجتمعية لعملهن في القضاء، وما كان ذلك ليتحقق لولا دعم القيادات الخليحية المستنيرة، التي حرصت على تهيئة المجتمع تدريجياً لقبول عمل المرأة في القضاء، ولكن تبقى ملاحظة لافتة وهي أنه رغم مرور (10) سنوات على عمل المرأة الخليحية في القضاء فإن أعداد القاضيات الخليجيات لا تتناسب وهذه المدة، فما زالت أعدادهن قليلة، مما يجدر بالجهات المسؤولة إلى تبني خطة تحفيز وتشجيع للخريجين والخريجات من كليات الحقوق والشريعة للالتحاق بالسلك القضائي، ولا سيما أن دول التعاون تشكو نقصاً فادحاً في الكادر القضائي الوطني، وهو مرفق سيادي، فتلجأ إلى تعويض النقص باستقدام قضاة من خارج دول المجلس، وفي هذا هدر كبير لطاقات وطنية وموارد مالية، كان يمكن استثمارها استثماراً أفضل في تحقيق المصلحة العامة.ختاماً: من المفارقات في الحياة السياسية والاجتماعية في الكويت أن الكويت، وهي أول دولة خليجية أنشأت كلية للحقوق في الخليج تخرج منها الآلاف من المؤهلين من الجنسين للقضاء، إضافة إلى أن المرأة الكويتية هي الرائدة، خليجيا في العمل النسائي، وكذلك هي بلد الرائدة الكبيرة لنهضة المرأة الكويتية لولوة القطامي، ومع كل ذلك ما زالت المرأة الكويتية لم تصل بعد إلى مناصب قضائية!!* كاتب قطري
مقالات
المرأة العربية والخليجية والقضاء
07-03-2016