كمواطن عربي - مستضعف - عاش في خضم ذلك الوهج القومي، العروبي، المفعم بكل الطموحات التي تضعني كإنسان على خريطة طريق الكرامة الإنسانية، ثم تجرع الويلات تلو الويلات من ذلك التراجع الكارثي الحاد الذي مازال في صعود مستمر، بعد انحسار أبسط المبادئ والقيم والمثل التي كنا نعيشها في ذلك الحلم الجميل، لست هنا أريد أن أبثك ما يختلج بخاطري ووجداني عما يجري في وطننا العربي، لأنه معذب لأرواح الأحياء، فما بالك بأرواح الذين بين يدي ربهم، لكنني أريد أن أذكر لك أننا نعيش فترة قد تفنن خصومك في تشويه تلك الصورة التي عاشها وطننا العربي في وهج الستينيات يوم كنت تتبنى مشروع وحدة العرب.

Ad

فخصومك ينقسمون إلى ثلاث فئات:

• الفئة الأولى: الإخوان المسلمون، وهؤلاء ليسوا خصومك فقط، وإنما هم خصم لكل ما هو جميل فوق هذا الكوكب، وما هذا الغليان من الكراهية التي تسود عالمنا العربي إلا من صنع أيديهم!

• الفئة الثانية: هم الجيل الذي تربى على أن يردد ما كان يردده السادات بعد العبور، فصاروا كالببغاوات يرددون أنهم يعيشون عصر السلام، واستعادة سيناء، وأنهم أصحاب حضارة الفراعنة من سبعة آلاف سنة، - وبعضهم يعلن (ملعون أبوالعرب)! - وعبدالناصر سبب كل الهزايم (واحنا مالنا ومال العرب)! (وملعون أبوالقومية العربية)!.. إلخ.. إلخ.

فهذه الفئة ذات الأبعاد القشرية في فهم واستيعاب المبادئ العظيمة التي نادت بها مصر بقيادتك أوشكت على الانقراض، بعد أن سحقها الشعب المصري في ثورة تلو الثورة.. وهي كانت انعكاساً لتيار تبناه السادات وردده من بعد الببغاوات!

• أما الفئة الثالثة: ممن أعطوا أنفسهم شرف خصومتك، فهم جيل ما بعد "كامب ديفيد" ممن تعايشوا مع الهزائم، وكأنها أمر واقع، وعلى العرب القبول بها لأنهم - كما يدعون - براغماتيون، واقعيون!

بل إن البعض منهم قد تصهين أكثر من الصهاينة أنفسهم، وجل هؤلاء ممن يسيل لعابهم للنموذجين الأميركي والغربي، وهذا التيار لا يقتصر على بلد عربي واحد فقط، وإنما امتد على مساحات في الوطن العربي، وتغذيه ماكينة الدعاية المستمرة التي تمطرنا بها وسائل الإعلام بكل أشكالها، حتى صار لها نفوذ في كبريات الفضائيات الإعلامية.

فهذه هي الفئات الثلاث التي تناصبك العداء.

* * *

• لماذا أكتب لك هذه الرسالة، وفي هذا الوقت بالذات؟! لأنه كلما هبت ثورة شعبية صادقة خلال سنوات رحيلك في الوطن العربي، لجأ الثوار إلى رمزهم الشريف، فارتفعت صورك التي مازالت تحتل مكانها في النفوس المتعطشة إلى وحدة العرب، ورغم الستة والأربعين عاماً التي مرت على رحيلك، فستبقى رمزاً شريفاً في تاريخ هذه الأمة!

* * *

• وحتى لا يُشمر الذين يبغضونك عن سواعدهم ليمطروني بتكرار أنك سبب الهزائم!

نعم.. أقر وأعترف بأن هناك كثيرا من الأخطاء التي مرت بها تجربتك الثورية.

لكن هل من هؤلاء من يحدثني عما نحن عليه اليوم؟! ويقارن بينه وبين ذلك الوهج الثوري القومي والحلم الجميل الذي ساهم كثير من الخارج والداخل، والصهاينة على رأسهم، بقتله!

أبا خالد... أشكو إليك زمناً هو الأسوأ في تاريخ أمتنا العربية!