تعكس أعمال الفنان التشكيلي جورج بهجوري روح الأماكن والشخوص الدافئة، وهو ما يتجلى في جميع معارضه داخل مصر وخارجها التي كان آخرها معرض "مدونات العمر” في غاليري بيكاسوفي القاهرة، فهو ذلك المبدع المعجون بروح البلد الحضارية، ارتبط مع متابعيه بعلاقة صداقة من خلال الكاريكاتير، ليعترف بأن هذا الفن نوع من التعارف الجميل بين الرسام والمتلقي.

Ad

ماذا عن معرضك الأخير «مدونات العمر»؟

يشمل المعرض 29 لوحة تعرض مراحلي العمرية المختلفة، وعرضت عدة أعمال قدمت خلالها المرأة بريشتي، بشكلٍ عام داخل مصر وخارجها، كما قدّمت به حكايات عن الرئيس والشعب والأطفال وأبناء الحارة وسيدة الغناء العربي.

حلت «أم كلثوم» كإحدى بطلات المعرض وكنت قد خصصت لها معرضاً كاملاً منذ عامين في غاليري «مشربية». ما سر ولعك برسم كوكب الشرق؟

لا أرسم أم كلثوم ولكني أرسم الوطن من خلالها، عبرت سيدة الغناء عن الحنين للوطن والأنين، أول شيء أقوم برسمه في لوحتها هو «فتحة الفم» لأني أريد رسم الصوت وليس أم كلثوم كتعبير أولي وإنما كتعبير ثان، البعد الأول هو الصوت الذي يحضر في الأذن من خلال اللوحة المرسومة، هذه السيدة جديرة بأن أقيم لها عدة معارض وليس معرضاً واحداً.

كيف تنظر إلى انتشار كتب الكاريكاتير أخيراً، وما الذي دفعك لتقديم الكثير منها؟

أصدرت عدة كتب تناولت تجربتي في الكاريكاتير والفن التشكيلي حيث أردت أن أسجل حياتي والدفاع عن وجهة نظري بإصرار، فانتشار هذه النوعية من الكتب يعُد شيئاً مهماً لتعريف الأجيال القادمة على تجربة كل فنان. قدمت أخيراً في كتاب جديد بعنوان «خط واحد» صورةً لمفهوم الخط الواحد معنوياً وتشكيلياً، فلا أحرّك يدي من الورقة أو اللوحة قبل الانتهاء من الرسمة، كما أعُد لكتاب بعنوان «مصر رايحة فين» ربما نعرف المصير الذي نسير صوبه.

لقّب كوفي عنان رسامي الكاريكاتير «برسل السلام». كيف تنظر لدور الكاريكاتير؟

التقيت كوفي عنان الأمين العام للأمم المتحدة سابقاً في التسعينيات ضمن حملة "رسامي الكاريكاتير من أجل السلام”. كانت تلك الجمعية تضم أفضل مائة رسام كاريكاتير في العالم. وكان ترتيبي فيها 17 حيث مثلت الشرق الأوسط. واقتبس كوفي عنان كلام المسيح "إذهبوا إلى بقاع الأرض وتحدثوا عن السلام”، بحيث دعانا كرسامين إلى نشر البسمة والسلام قائلاً: "أنتم "رسل الكاريكاتير” يمكنكم حل مشاكل العالم”. تجوّلنا كرسامين في عواصم العالم وأقمنا مهرجاناً للكاريكاتير في كل بلد. وقد اتُهمت بالتطبيع لمشاركتي في هذا المهرجان نظراً لمشاركة رسام يهودي فيه. طُلب مني مقاطعة الحدث فرفضت. لماذا تكون المقاطعة هي السلاح الوحيد لدينا وأين نحن من الحوار؟

متحف كاريكاتير

كيف ترى خطوة إقامة أول متحف للكاريكاتير في "الفيوم” خاصة مع تخصيص غرفة لأعمالك فيه؟

لا يقدّر الشرق معنى الكاريكاتير وقيمته. يعتبر الرسام "هزلياً” أي أنه يطلق "نكاتاً” فحسب. لعلّ الوضع اختلف بعض الشيء أخيراً. أذكر أن السادات كان يعلّق على النكت التي أرسمها. كذلك ذكر لي سامي شرف مدير مكتب جمال عبد الناصر، أن الرئيس ما كان يخرج من مكتبه قبل مطالعة روز اليوسف كي يرى رسومي له. ومع ذلك ثمة بعض المسؤولين في الصحف الذين لا يعون قيمة الكاريكاتير الفعلية. فقد قام رئيس تحرير "روز اليوسف” بوضع رسوماتي في المجلة بطريقة سيئة ونشرها في خبايا الصفحات مما أساء لي. وأجد أنّ محمد عبلة شخصية رائدة فكرياً خصوصاً في مجال الحفاظ على هذا الفن وتوثيقه في مكان مهم. وأشكره هنا على تخصيص غرفة لي في متحفه. أما بالنسبة الى اعتراض البعض على مكان المتحف باعتباره بعيداً عن القاهرة فأقول إن هذه المتاحف في العالم كله غالباً ما تكون خارج العاصمة، والكاريكاتير هو الذي يختار مكانه.

تُعرف أكثر كرسام كاريكاتير رغم تعاملك المستمر مع اللوحة. لمَ جاءت شهرتك عبر الفن الساخر؟

خدمني الكاريكاتير كثيراً. فحين أكون على عجلة مثلاً وأرى صورة أم كلثوم على شاشة التلفزيون في بيتي، أرسم عشرين لوحة ساخرة على أساس أنها رسم صحافي، إلى أن تترسّخ الفكرة لديّ فيصبح من السهل التعبير عنها درامياً، لأني حينئذ أكون قد هضمت روحها. يحتاج الكاريكاتير الى هذا النوع من البحث والتلخيص. طول عمري وأنا في روز اليوسف كنت أرسم تجارب بقلم الرصاص لصفحة كاملة لأي من الشخصيات المشهورة اي بالكاريكاتير، أمزج بين السخرية والفكاهة. وهذا بالذات ما جعلني أترك جانباً رسومات كثيرة وابدأ باللوحة الجديّة، لأن لوحة "الدراما” تبقى مع الزمن بينما الكاريكاتير "هزار”. وحين اتمكّن من إضحاك الشخصية المرسومة أتمكّن من تجسيدها درامياً. أحبّ الشهرة جداً لدرجة أنني أعتبر نفسي مُراهق شهرة. ولكني لا أسعى الى بيع اللوحة بهدف تكديس الأموال طالما أنني قد تجاوزت مرحلة "الستر”. حصدت شهرتي عبر النكتة المرسومة. الكاريكاتير نوع من "التعارف الجميل” الذي أنشأ صداقة بيني وبين المتلقي. ابدأ مع المتلقي بالـ”هزار”(النكتة)،  فيكون مستعدا لتلقي الجد مني لاحقاً، لأنه بات يرتاح لرسومي الكاريكاتيرية. وأنا في عشقي للشهرة أشبه عبد الوهاب الذي كان يتصل بآمال فهمي في الستينيات طالباً منها أن تذيع له أغنية خلال برنامجها الشهير "على الناصية”، أو يطلب الأمر نفسه من مذيعة "ما يطلبه المستمعون” لأنّه كان يعشق سماع اسمه رغم شهرته آنذاك. الشهرة مرض ونوع من الإدمان.

دخلت الوسائط الجديدة في منافسة مع الكاريكاتير لتقدم لنا نماذج مختلفة. كيف ترى الفن الساخر في هذه المنافسة؟

هذه الوسائط ساهمت في انتشار الكاريكاتير بصورة أكبر. ولكن النكت أو الصور التي يتم لصقها بجوارها تروّج لمن يقدمها فحسب. لكن هذا الشخص لا يعرف الرسم أو يجيده طبعاً. وبالتالي تزيد هذه الوسائط من الخيال وهذا في حد ذاته أمر جميل ولكنها لا تتنافس أبداً مع رسامي الكاريكاتير.

ما هي مقومات رسام الكاريكاتير الناجح؟

الصدق والحرية، حرية الرأي فوق كل أمر. على الفنان أن يكون صاحب موقف دائم إلى جانب المناضلين والفلاحين. أن يكون الى جانب الشعب. لا بد أن يكون مثقفاً وواعياً لكل ما يدور حوله كي يعكس ذلك في أعماله. لا ينبغي أن يكون منافقاً أو مدعياً بل متمرّداً وغاضباً ومُحرّضاً.

ما الفرق بين جيلك والجيل الحالي من رسامي الكاريكاتير؟

نحيا في الصراع نفسه من أجل الحرية والرأي. نكافح لتقديم الرأي ونشره كما هو، من دون مساس الرقيب بجزء من الخط أو حذف كلمة من التعليق. أعتقد أن الرقابة زادت على الجيل الحالي بسبب المسألة الدينية والاتهام بازدراء الأديان. فنّ الكاريكاتير يزدري كلّ شيء ولكن ثمة احترام للمقدسات طبعاً.