سوريون وفلسطينيون في السينما المصرية
لم يكن كل الأجانب غرباء عن مصر، إذ كان بعضهم متعاطفاً مع معاناة شعبها، ففي عام 1923 مثلاً، تم عرض أول فيلم مصري روائي طويل، من تمويل «فيكتور روسيتو» المحامي المهتم بالسينما والمؤمن بدورها في تعليم الفلاحين المصريين.
حاول البعض تركيز الأنظار على الوجود الأجنبي الأوروبي في قطاع السينما عام 1922، فقد أشارت مجلة "السمير المصور" إلى "أن في مصر أكثر من خمسين سينما وجميعها أجنبية بلا استثناء والدخل الأسبوعي لكل واحدة لا يقل عن ستين جنيها مصرياً"، ونبه هؤلاء إلى "سيطرة الأجانب على دور العرض وعدم دخول المصريين في تلك المشروعات المربحة".ولم يكن كل الأجانب غرباء عن مصر، كما كان بعضهم متعاطفاً مع معاناة شعبها، ففي عام 1923 مثلاً، تم عرض أول فيلم مصري روائي طويل، من تمويل "فيكتور روسيتو" المحامي المهتم بالسينما والمؤمن بدورها في تعليم الفلاحين المصريين، وهو الفيلم الذي أشرنا إليه بعنوان "في بلاد توت عنخ آمون"، وقام الفنان المصري منيب بيومي بتصويره، كما أن المخرج رغم كونه أجنبياً فإنه كان من المتمصرين، وقد صنع الفيلم بكامله في مصر، ونرى بين الأسماء ذات العلاقة بهذا الفيلم "بدر لاما" وهو تشيلي الجنسية من أصل فلسطيني والسيدة آسيا، وهي تحمل الجنسية السورية.وفي عام 1925 أنشأ الاقتصادي المصري الكبير "طلعت حرب" مؤسس بنك مصر وشركاته، قسماً للسينما، وجعله تابعاً لشركة إعلانات مصر تحت اسم "مصر فيلم" وعمل فيه محمد بيومي المصور السينمائي.وفي عام 1926 أثيرت قضايا المنع والحساسية الدينية، فقد اعتذر الفنان يوسف وهبي عن أداء دور الشخصية النبوية في فيلم من إخراج التركي "وداد عرفي"، وذلك، كما يقول الأستاذ "أبو شادي"،" بعد ثورة الرأي العام في مصر والرفض القاطع لرجال الدين". وفي هذه السنة كذلك "عاد إلى مصر الشاب محمد كريم أول مصري يقف أمام الكاميرا، بعد انتهاء جولته في أوروبا التي سافر إليها في 14 أبريل 1920 طلباً للعلم والتحصيل السينمائي".وفي العام التالي عرض فيلم "ليلى" من إخراج ستيفان روستي الذي حل محل التركي وداد عرفي وبطولة "عزيزة أمير".وقد حضر حفل الافتتاح أمير الشعراء أحمد شوقي الذي حيا عزيزة أمير، كما قال لها طلعت حرب: "لقد حققت يا سيدتي ما لم يستطع الرجال أن يفعلوه". ويقول "أبو شادي": "ظل الفيلم يُعد أول فيلم مصري روائي طويل ويعتبر تاريخ عرضه، 16 نوفمبر 1927، بداية التاريخ للسينما المصرية، وذلك قبل اكتشاف فيلم "في بلاد توت عنخ آمون" الذي عرض في 11 يوليو 1923 عرضاً خاصاً، وعرض عرضاً عاماً على الجماهير في أول مارس 1924 بالقاهرة".ومن طرائف ما يروى حول فيلم "ليلى"، التعديل الذي تم على نهايته بعد تصويرها حتى تكون نهاية سعيدة، حيث كان ينتهي بوفاة البطلة بعد إنجابها طفلاً، لكن تم تصوير نهاية جديدة تنتهي بزواج ليلى من "رؤوف بك" بطل الفيلم، وتنجب منه طفلة، وتعيش حياة سعيدة، ونتيجة لبعض الانتقادات التي وجهت للفيلم تم إجراء بعض التعديلات عليه، وقد وصف الناقد السينمائي آنذاك، عبدالسلام النابلسي الممثل فيما بعد، بأنها تعديلات شملت ثلاثة مشاهد فقط من الفيلم. وشهد العام نفسه مساهمة فلسطينية في الإنتاج السينمائي المصري. يقول أبو شادي: "أسس الأخوان إبراهام لاماس وبدرو لاماس، اللذان يحملان الجنسية التشيلية ومن أصل فلسطيني، أسسا شركة "كوندور فيلم" لعمل أفلام سينمائية مصرية تصور في مصر، وقد حملا بعد ذلك اسم إبراهيم وبدر لاما، وكان إبراهيم يقوم بالتأليف والإخراج، أما بدر فهو ممثل سبق له العمل مع بعض الشركات السينمائية الأجنبية منذ عام 1923 وقد شرعا في إنتاج فيلم (قبلة في الصحراء)".(وقائع السينما المصرية 1895-2002، علي أبو شادي، القاهرة 2004، ص66).وبمناسبة الحديث عن الجالية الفلسطينية في تشيلي، حضرت في الكويت ذات مرة قبل عام 1990 مناسبة كان بين ضيوفها اثنان من الفلسطينيين المسيحيين المقيمين في لبنان، عملا في الكويت لفترة وجمع كل منهما ما يقارب المئة ألف دينار بعد سنوات من العمل والتوفير.فاقترح عليه صديقه بأن يهاجرا إلى "تشيلي"، ويستثمرا المال في مصنع صغير أو مشروع مربح، غير أن صديقه أصر على تحويل المبلغ وكان بالدينار الكويتي إلى بيروت بالليرة اللبنانية، ليستثمره هناك، وما كاد يفعل حتى اشتعلت الحرب الأهلية اللبنانية عام 1975، وبدأ سعر الليرة رحلة الانحدار المخيفة، فقد كان الدولار عام 1966 يساوي 3.16 ليرة بالسعر الرسمي، وفي عام 1986 وصل انحداره إلى نحو العشرين ليرة، ثم إلى نحو 470 ليرة عام 1989، وجرى تثبيته عام 1999 عند 1507.5 ليرات للدولار الواحد! (مجلدات مختلفة من الكتاب السنوي الدولي the statesman's year.book).وفوجئ الفلسطيني المسكين بما كان يجري لثروته المتواضعة التي بدأت بالتدهور والتقلص دون أن يستطيع إنقاذها، حيث كانت تفقد قيمتها بالتدرج أسبوعياً وشهرياً، وكان الكثيرون يتنبؤون بأن الحرب اللبنانية لن تدوم أكثر من أسبوعين لا أعواماً كما هو معروف.شهد عام 1928 بداية عرض الفيلم الروائي الطويل "قُبلة في الصحراء"، وهو كما يصفه "أبو شادي" محاكاة ضعيفة لفيلم "ابن الشيخ"، من بطولة ممثل أميركي مشهور "رودلف فالنتينو" وقد هاجمت الصحف الفنية الفيلم بقسوة واتهمته بالإساءة إلى المصريين، وجوبه فيلم "سعاد الغجرية" الذي شارك فيه عدد كبير من الممثلين والممثلات وجميعهم من المصريين بحملة استياء مماثلة، وقد اعترضت القنصلية الأميركية بالإسكندرية عام 1929 على الضرائب المفروضة على تذكرة السينما "لأنها تؤثر على إقبال الجمهور على الأفلام، ومعظمها أميركية"!وقد أنتجت وزارة المعارف المصرية مجموعة أفلام قصيرة عن مدينة القاهرة والأهرامات والأقصر وغيرها، وتم عرضها في أميركا. وفي السنة نفسها كتب شيخ الأزهر إلى وزارة الداخلية "يلفت نظرها إلى فيلم سيعرض قريباً في القاهرة يتعارض مع الدين الإسلامي ويتعرض لحياة النبي محمد"، كما "اعترضت الجالية الإسرائيلية- أي اليهود- على فيلم تم عرضه بإحدى دور السينما بالإسكندرية، فأوقفت الرقابة بوزارة الداخلية عرض الفيلم". ومن أحداث السنة اللاحقة 1930، عرض أول فيلم مصري لعمل أدبي هو قصة "زينب" للكاتب محمد حسين هيكل، وقد أثنت الصحافة عليه باعتبار الفيلم أفضل من الأفلام السابقة، كما استخدمت في الفيلم معدات الإضاءة لأول مرة في مصر، ومن أفلام هذا العام "معجزة الحب"، وتذكر إعلانات الفيلم "أنه أول فيلم مصري ناطق".وتم عام 1934 تأسيس "استديو مصر" في طريق الأهرامات، كما كتب "الكاتب والشاعر والمفكر الكبير عباس محمود العقاد" أغاني فيلم "شبح الماضي"، بطولة المطربة نادرة" .شهد عام 1935 بداية العمل في استديو مصر لتصوير أول فيلم سينمائي طويل، من بطولة كوكب الشرق أم كلثوم وإخراج أحمد بدرخان، ثم الألماني فريتز كرامب، وفي فبراير العام التالي بدأ عرض الفيلم "وهو أول ظهور في السينما للمطربة العظيمة أم كلثوم التي حذت حذو عبدالوهاب في استخدام السينما للوصول إلى أكبر عدد من الجمهور الذي لا يستطيع حضور حفلاتها، وقد كتب الفيلم والحوار والأغاني أحمد رامي أحد كبار الشعراء المصريين، وساهم ظهور أم كلثوم وصوتها في نجاح الفيلم داخل مصر وخارجها، وهو أول فيلم مصري يشارك في مهرجان دولي، حيث مثل مصر في مهرجان فينيسيا السينمائي الدولي بإيطاليا عام 1936".وفي العام نفسه أصدر المخرج السينمائي "أحمد بدرخان" كتابه "السينما" الذي يقول فيه ملخصاً خبرته المهنية في الأفلام الناجحة، "إن أفضل قصة سينمائية هي ما تدور بين رجل تتنازعه امرأتان، أو امرأة يتنازعها رجلان، وأن تجري الأحداث في النوادي والمراقص والأجواء الفخمة". وهي وجهة نظر، يقول أبو شادي، "سادت وتسيدت السينما المصرية طويلاً".