تقرير اقتصادي : اتفاق «الدوحة» النفطي... سقف يناير لا يعالج أزمة ولا يوازن أسواقاً

نشر في 18-02-2016 | 00:04
آخر تحديث 18-02-2016 | 00:04
No Image Caption
• سوق النفط كان في حاجة إلى اتفاقية حقيقية لا «هشّة» بين المنتجين
• سياسات «أوبك» لم تنعكس إيجاباً بشأن تحقيق أهدافها المعلنة
رغم الاتفاق الذي توصل إليه أربعة من أكبر منتجي النفط في العالم، أمس الأول، (السعودية وقطر وفنزويلا وروسيا) لتثبيت سقف الإنتاج عند مستويات يناير 2016، بانتظار مشاركة منتجين آخرين كالعراق وإيران في الاتفاق، فإن من المبكر الحديث عن عودة التوازن إلى سوق النفط، نتيجة وجود عوامل عديدة تكبح أي صعود للأسعار على المديين القصير والمتوسط... لأن هذه العوامل أكبر بكثير من تثبيت سقف الإنتاج.

فبينما كانت التوقعات في سوق النفط ليلة الاثنين- الثلاثاء تتجه إلى خفض مؤثر في الإنتاج للدول المجتمعة في الدوحة، بلغت مكاسب البرميل خلال ساعات وجيزة أكثر من 6 في المئة، وكانت التوقعات تتحدث عن عودة نوع من التوازن، لا الانتعاش في السوق، الذي تكبد خلال عام ونصف العام خسائر فاقت 70 في المئة، غير أن الإعلان عن اتفاق «هشّ» قلب المعادلة من المكاسب إلى خسائر ناهزت 4 في المئة خلال ساعات قليلة، مما يبين رأي المضاربين والمستثمرين في خطوة لن تؤثر بشكل أساسي على خياراتهم المستقبلية.

ثمّة حديث بين المحللين عن وجود «جرعة سياسية» تتعلق بملفات متفرقة في الشرق الأوسط، خصوصاً في سورية وإيران، تعوق أي اتفاق حقيقي لخفض الإنتاج، بما يضمن إعادة التوازن إلى السوق، ورغم وجاهة هذه «الجرعة» وإمكانية رصدها في تصريحات العديد من المسؤولين، فإنها ليست السبب الحقيقي الذي يضغط على السوق، إذ تبدو عوامل الانخفاض أكثر جدية من مجرد خلاف سياسي بين دول تستخدم الإنتاج وسيلةً لتحقيق أهدافها.

تباطؤ الصين

وهناك عامل آخر يتمثل بتباطؤ النمو الاقتصادي في الصين، أحد أكبر مستهلكي النفط، إلى أدنى مستوى منذ 25 عاماً إلى 6.9 في المئة عام 2015 مقابل 7.8 في المئة عام 2012 و9 في المئة لعام 2009، بالتزامن مع توقعات تراجع النمو العالمي كله في 2016 من 3.1 في المئة إلى 3 في المئة، ومجمل تلك العوامل لها أثر على أسعار النفط أكبر بكثير من تأثيرات خلافات سياسية بين المنتجين، فضلاً عن الضغط الذي يسببه فائض المعروض النفطي في السوق، وفشل «أوبك» في تحقيق أحد أهدافها المعلنة كإزاحة المنتجين غير التقليديين (منتجي الصخري).

الحديث عن مستويات يناير، التي تبلغ 32.4 مليون برميل يومياً لـ«أوبك» و10.8 ملايين برميل بالنسبة لروسيا، لا يقدم للسوق أي خدمة، لأنه أعلى مستوى إنتاج لـ»أوبك وروسيا» مقارنة بعام 2015 كاملاً، وبالتالي، فإن الدول المنتجة اتفقت على أن يكون السقف عند أعلى مستوى، وهذا في حد ذاته رسالة سلبية للأسواق التي تعاني نمواً لافتاً في العرض مقابل الطلب، فكان من المفترض العودة إلى السيناريو الأول، الذي استقبلته أسواق النفط بقدر عالٍ من الإيجابية، والذي يتمثل بخفض أكبر منتجين (السعودية وروسيا) ما نسبته 5 في المئة من إنتاجهما النفطي.

سيناريو الـ ٪5

ويعني سيناريو الـ5 في المئة، خفض إجمالي يصل إلى مليون برميل يومياً، أي ما يعادل 50 في المئة من إجمالي الفائض في سوق النفط، فإذا اتبعتهما دول أخرى في الخفض؛ فستتوازن الأسعار في السوق على المدى المتوسط، لكنها لن تنتعش، لوجود عوامل أعمق تتعلق بتراجع النمو الصيني وسياسات التقشف الأوروبية، ونمو الإنتاج الأميركي، ومقاومة النفوط غير التقليدية (الصخري)، لذلك فإن جهد المنتجين يجب أن ينصب على إعادة التوازن إلى السوق، على الأقل، وهو أمر لا تحققه مستويات يناير المرتفعة أصلاً.

وحتى قبول منتجين آخرين، كإيران والعراق، الالتزام بسقف يناير، لن يوازن الأسواق لأن إنتاج البلدين في يناير شكّل سقف إنتاجهما منذ سنوات طويلة وسط إصرار إيراني على عودة الإنتاج النفطي إلى مستوياته قبل فرض العقوبات الدولية، علاوة على إعلان العراق أيضاً رغبته في رفع مستويات الإنتاج لأعلى مستوى منذ 10 سنوات، بالتالي فإنه حتى التزام العراق وإيران، المشكوك فيه أصلاً، لن يدعم السوق ولو على المدى المتوسط.

سياسات «أوبك»

سياسات «أوبك» خلال عام ونصف العام، لم تنعكس إيجاباً بشأن تحقيق أهدافها المعلنة، التي تتمثل بتقليص الفائض بسوق النفط أو إزاحة منتجي النفط الصخري، حيث لا يزال العرض في السوق أكثر من الطلب بما يقارب مليوني برميل يومياً، إلى جانب عدم تراجع إنتاج «الصخري» عالمياً أكثر من 20 في المئة، رغم انخفاض عدد منصات الحفر بنحو 55 في المئة، لكنه لم ينعكس على حجم الإنتاج الصخري بدرجة كبيرة، وإن أثر بدرجة أكبر على تمويل عمليات الاستكشاف.

دول «أوبك»، وخصوصاً الخليجية منها، تعتمد على النفط بشكل مبالغ فيه في موازناتها السنوية، وبالتالي يجب أن تتعامل مع ثروتها النفطية كاحتياط أجيال، لا أن تتجه إلى رفع مستويات الإنتاج في ظل هذه الأسعار المنخفضة، فهذه الدول تستحوذ على أكبر احتياطي نفطي في العالم يقدر بـ485 مليار برميل، أي ما يعادل 35.7 في المئة من إجمالي الاحتياطي العالمي من النفط الخام، وما نسبته 70 في المئة من إجمالي الاحتياطي العالمي لمنظمة «أوبك»، والأولى هنا أن يكون العمل على خلق إصلاحات اقتصادية على المدى الطويل تقي هذه الدول مخاطر تقلبات الأسواق أو التراجع في الدول المستهلكة، فضلاً عن المنافسة، التي تتصاعد في سوق النفط بين المنتجين التقليديين وغير التقليديين.

back to top