إذا طرأ أي خلل على صيغة دعوة ممثلي المعارضة السورية إلى المفاوضات، التي توقفت في الجولة السابقة لمحاولة الروس، ومعهم نظام بشار الأسد، إضافة ممثلي معارضة وهمية لا وجود لها، فلن تكون هناك عملية سياسية، وستكون هذه الأوضاع المتهاوية مفتوحة على شتى الاحتمالات، وأولها أن المواجهات المسلحة ستستمر لا سنةً واحدة، بل ربما سنواتٍ متعددة طويلة.

Ad

كان الروس قد أفشلوا جولة المفاوضات السابقة قبل أن تبدأ، وهم باشروا حملتهم العسكرية وقصفهم الجوي التدميري لأنهم لم يستطيعوا تمرير إضافة ممثلي المعارضة المُدجّنة، التي هي صناعة المخابرات السورية إلى وفد المعارضة (المعتدلة) الحقيقية، ولذلك فالمؤكد أنهم سيفعلون ما كانوا فعلوه في المرة السابقة، إن لم يحققوا مآربهم ويستأنفوا غاراتهم الجوية، ولكن على نحو أشد عنفاً وأكثر دموية.

لقد بات واضحاً أن الروس، الذين هم أصحاب القرار في سورية، مصرون على القضاء على "جنيف1" وعلى "شطب" المرحلة الانتقالية، وإلا فما معنى أن يأمروا "صاحبهم" في دمشق بإجراء انتخابات افتراضية لما يسمى "مجلس الشعب" في هذا الوقت بالذات، حيث المفترض أن تكون هناك مفاوضات جدية مع المعارضة الفعلية والحقيقية، والتي لا غيرها معارضة على الإطلاق، لمواصلة المسار السياسي وفقاً لما تم الاتفاق عليه سابقاً بين الأطراف المعنية بالأزمة السورية، ووفقاً لقرارات مجلس الأمن الدولي رقم 2254.

والملاحظ أن الروس، الذين أعلنوا أن هدفهم الحقيقي هو تقسيم سورية وتحويلها إلى دولة فدرالية (اتحادية)، قد دفعوا، مع اقتراب موعد استئناف المفاوضات الذي قرر المندوب الدولي ستيفان ديمستورا أنه سيكون الخميس المقبل في العاشر من هذا الشهر، بواحدة من أكبر بوارجهم البحرية إلى البحر الأبيض المتوسط في اتجاه الشواطئ السورية، وهذا في حقيقة الأمر تلويح واضح بالقوة لإرهاب المعارضة السورية، وإخافتها وإجبارها مرغمة على قبول الإملاءات الروسية، وبخاصة المتعلقة بإصرار موسكو على حشر ما يسمى "معارضتها" في الوفد الذي من المفترض أن يفاوض "النظام" في هذا التاريخ المشار إليه آنفاً.

والسؤال الذي لابد من طرحه في هذا المجال هو: هل من يعلن أنه يريد تحويل سورية إلى دولة فدرالية، ويتناغم معه الأميركيون بالقول على لسان وزير خارجيتهم جون كيري بالقول إن مصير هذا البلد هو التقسيم إذا لم يتوقف القتال الدائر الآن، يريد مفاوضات جادة وحقيقية؟ وهل من يلجأ إلى كل هذه المناورات الخسيسة، ومن بينها السعي لإجراء انتخابات لما يسمى "مجلس الشعب" وفي هذا الوقت بالذات، يفكر ولو مجرد تفكير في "جنيف1" وفي المرحلة الانتقالية وفي العملية السياسية التي تم الاتفاق عليها؟!

إن ما يجب أن يعرفه الذين يريدون أن تبقى سورية واحدة وموحدة، والذين يعرفون وهم على قناعة تامة بأن هذا البلد العربي لا يمكن أن يبقى واحداً وموحداً إذا بقي بشار الأسد في الحكم، هو أن الروس مصممون على ما جاءوا من أجله، وهو تحويل ما وصفوه وما وصفه رئيس هذا النظام بـ"سورية المفيدة" إلى الدولة المذهبية التي يجري الحديث عنها، لكن عليهم أن يدركوا ويعرفوا أن مؤامرة كهذه لا يمكن أن تمر، لأن الشعب السوري بأغلبيته ضدها ولأن العرب يعرفون ذلك المثل القائل: "أُكلتُ يومَ أكلَ الثورُ الأبيض"، ويدركون أن النجاح في ما يُعَدُّ لهذه الدولة العربية سوف يصل إلى معظم بلدانهم لا محالة!