{الرفاه} و«محمد عزيز الحبابي... الشخصاني والغدية}

نشر في 01-03-2016 | 00:01
آخر تحديث 01-03-2016 | 00:01
إشكاليات فلسفية وتنظيم اجتماعي في العمل الأكاديمي
صدر عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات كتابان: الأول  «محمد عزيز الحبابي: الشخصاني والغدية»  (192 صفحة من القطع الكبير)، من  إعداد كمال عبد اللطيف وتقديمه، تأليف عبد الرزاق الداوي، محمد الشيخ، عبد السلام بنعبد العالي، محمد المصباحي، فتحي المسكيني ومحمد مصطفى القباج. الثاني  الترجمة العربية لكتاب للكاتبة ماري دالي welfare  بعنوان “الرفاه}، (248 صفحةً) ترجمة عمر سليم عبد القادر التل ومراجعة  سعود المولى (ضمن سلسلة “ترجمان).

«محمد عزيز الحبابي: الشخصاني والغدية»

محمد عزيز الحبابي شاعر من المغرب وروائي وقاصٌّ وأكاديمي وسياسي، ولعلّ أبرز صفة له أنه فيلسوف، وارتبط اسمه بمصطلحين: «الشخصانية» وتعني انتقال الفرد من «الكائن» إلى «الشخص» ثم إلى «الإنسان». أمّا «الغدية» فهي ليست المستقبلية كما فهمها البعض، بل هي معالجة للنشاط الإنساني في بيئة معينة لاستخلاص عناصر تهمّ الإنسانية جمعاء.

تتجه البحوث الستة في هذا الكتاب، إلى الإحاطة بالآثار الفكرية التي خلّفها محمد عزيز الحبابي، وتتضمن تقديم أعماله والتعريف بها، ومناقشة جوانب من إشكالياتها. ساهم في إعداد هذه البحوث مجموعة من طلابه القدامى من الجيل الأول الذي درس على يديه في الجامعة المغربية في الستينيات. وأُضيف إليهم باحثون من تونس والمغرب من أجل إحاطة تهدف إلى بناء المحاور والتوجهات الفكرية الكبرى في مشروعه الفلسفي وتقديمها، ورُتّبت بحوث الكتاب بطريقة تُمكِّن القارئ من التعرف على منجزات عزيز الفكرية والآثار التي خلّفها في الجامعة المغربية، بطريقة متدرجة.

يتضمن الفصل الأول «محمد عزيز الحبابي: مسار في الفكر والحياة» مساهمةً في بناء السيرة الذاتية لمؤلف رواية «جيل الظمأ» ( 1967)؛ إذ يحاول عبد الرزاق الدواي، اعتماداً على نصوص الفيلسوف ومؤلفاته، إبراز الجوانب الأساسية في سيرته الذاتية، من خلال مسيرته البحثية، ودوره في تأسيس الجامعة المغربية وبلورة نواتها الفلسفية الأولى. أمّا الفصل الثاني «في فلسفة محمد عزيز الحبابي: الشخصانية والغدية»،  فيدرس محمد الشيخ أبرز المحاور الكبرى في فلسفته، وقد عمل الباحث في محور أوّل على تقديم نقد الحبابي لأزمات الحداثة. وفي محور ثانٍ «الشخصانية كفلسفة في القيم»، تركّز اهتمامه في الحرية والتحرر والحضارة، محاولاً بلورة تصوُّر الحبابي للوظيفة الفلسفة، مختتماً بحثه بإبراز المنحى الديني للشخصانية الإسلامية.

أمّا الفصل الثالث، فيتضمن دراسةً من إعداد محمد مصطفى القباج، بعنوان «الغدية هي الأصل: في النسق الفلسفي لمحمد عزيز الحبابي»، تدافع عن فرضية مفادها أنّ «الغدية» هي النواة المركزية في النسق الفلسفي عند الحبابي. واعتمد في ذلك على متابعة مجمل إنتاجه ومختلف أدواره في الجامعة والمجتمع، محاولاً توضيح هواجس الغدية في مؤلفاته المختلفة، ومنبِّهاً في الوقت نفسه على  أنّ الطابع السياسي والمستقبلي للأفكار الواردة في فكره تعود إلى الهواجس السياسية التي واكبت وعيه في صفوف الحركة الوطنية المغربية، وانخراطه المبكر في الإيمان بالمستقبل. أمّا محمد المصباحي، فاهتمّ في الفصل الرابع من دراسته بشخصانية الحبابي من خلال مفهوم الأفق، وحاول فحص «جدلية الأفق في فكر الحبابي»، مشيراً إلى تداخل الآفاق واختلاطها، فضلا عن الإحاطة بزاوية معيّنة من زوايا انشغال الفيلسوف. ويتيح بحثه للقراء معاينة إحدى كيفياتِ بناء مفاهيمه وتصوراته.

ويتضمن الفصل الخامس دراسةً لفتحي المسكيني بعنوان «المساواة الشخصانية بين الرجل والمرأة عند الحبابي»، قدّم من خلالها تصوُّر الحبابي للمساواة، متوقفاً أمام القضايا التي أثارها في الشخصانية الإسلامية عند مقاربته موضوع العلاقة بين المرأة والرجل. وهذه الدراسة تجعلنا إزاء معطيات نظرية تجادل في قضايا المرأة والأسرة، وتتخذ مواقف من جملة الأحكام والقيم، ما يسمح لنا بالتعرُّف على كيفية استدعاء الحبابي للمرجعية الإسلامية في نصوصه.

وفي الفصل السادس، يقدم عبد السلام بنعبد العالي في دراسته «الشخصانية الإسلامية فلسفة أم علم كلام؟» قراءةً تركيبيةً في شخصانية الحبابي، محاولاً قراءة بعض أبعاد هذا الإنتاج في سياق الفكر الإسلامي المعاصر. وتضمنت الدراسة معطيات أخرى في موضوع الشخصانية الإسلامية وثنائياتها، ورتبت موقفاً محدداً من آثاره الفلسفية أيضاً، وهو أمرٌ يجعلنا أمام محاولة في التقديم التركيبي للشخصانية والشخصانية الإسلامية.

«الرفاه»

يقدّم هذا الكتاب بياناً للرفاه وتحليلاً له، بوصفه مفهوماً ومحلّ عناية للتنظيم السياسي والاجتماعي، ويتتبّع تاريخ الرفاه في العمل الأكاديمي، ويمعن التفكير في تطبيقاته ونماذجه المختلفة في ما يتعلق بالحياة اليومية.

 يربط الكتاب المُكوَّن من سبعة فصول رئيسة النظريةَ بالممارسة. وبتتبّعه خلفية المفهوم في الاقتصاد والعلوم السياسية والسياسة الاجتماعية، يحاذي الرفاه مقاربات أحدث؛ مثل الخير الذاتي، القدرات، الرعاية، الاستبعاد الاجتماعي ورأس المال الاجتماعي، ويشرح بإسهاب الروابط بين الرفاه وأفكار سياسية مختلفة. وتحظى دولة الرفاه، كما تطوّرت تاريخياً في أوروبا وكما تتغير في بلدان مختلفة، بمكانة مهمّة في التحليل. اعتماداً على أعمال تجريبية، يشرح الكتاب في جزئه الأخير كيفية سعي أفراد ومجموعات لتحقيق الرفاه، وكيفية تكوين ذلك لقرارات الناس وأفعالهم في حياتهم اليومية.

يزوّد هذا العمل المكتوب بأسلوب شائق طلاب علم الاجتماع والسياسة الاجتماعية والعلوم السياسية بموطئ قدمٍ قيّمة بشأن النقاش والتفكير في حقل الرفاه ومفاهيم أخرى متصلة به. ويُعدّ هذا الكتاب، في كثير من نواحيه، بياناً وتفسيراً لاستجابات التغييرات الواقعة في التنظيم الاجتماعي والسياسي والاقتصادي، وهو يهدف إلى إظهار أنّ مفهوم الرفاه في فترة التغيّر العميق الذي يُؤوَّل بطريقة معقّدة، يتيح الوصول إلى تحليلات وحوارات مهمّة حول السياسات العامة والمبادئ الأخلاقية وتنظيم الحياة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية.

بعبارة أخرى، يساعد هذا المفهوم على تقديم طرائق لفهم الصلة بين ما يتّصل بالرفاه من أسس منطقية ومؤسسات بوصفها جميعها جزءاً لا يتجزّأ على المستوى الشامل، خصوصاً في السياسات والبرامج الاجتماعية والموارد ومستويات الرفاهية التي يحظى بها الناس في الحياة الحقيقية. ومع إبقاء هذا في الذهن، يُحدِّث هذا الكتاب سجلّ التفكير في الرفاه، ويفعّل ذلك بأسلوب ثلاثي من خلال الأسئلة التالية: كيف يُتصوّر الرفاه ويُناقش؟ وكيف يُسيّس؟ وكيف أنه ملمح من ملامح تنظيم الحياة اليومية؟ ويُفضي بنا ذلك إلى الانغماس في العمل الأكاديمي، وفي السياسات، وفي التفكير والخطاب السياسيين أيضاً.

يحفّز هذا الكتاب على سؤالين رئيسين؛ أحدهما: كيف لنا أن نفهم الرفاه وقد تطوّر تاريخياً عبر التعلم، وتجلى في النظريات والأبحاث المعاصرة؟ أمّا الآخر، فيستعلم مكوّنات الرفاه من وجهة نظر الحياة الحقيقية في الأزمنة المعاصرة، مع التركيز في فاعلية الناس، وكيفية ارتباط ذلك وتشكّله بفعل الإجراءات المتّخذة من جهة كلّ من الدولة، وأرباب المصالح المستندة إلى السوق، والأسرة والمجتمع.

back to top