الصدر ينجح في «عبور دجلة» ويكسب الجمهور ضد الحكومة
حزب «الدعوة» قد يخسر رئاسة الوزراء بعد 12 عاماً من احتكارها
لا أحد يستطيع التكهن بما سيحصل في بغداد خلال الأيام المقبلة، بعد أن نجح تيار مقتدى الصدر، في نصب مئات الخيام التي تؤوي المعتصمين أمام ثلاث بوابات رئيسية لمقر الحكومة بالمنطقة الخضراء، في تطور للخلاف بشأن تعديل وزاري يمكن أن يضع الملفات السيادية في يد حزب «الدعوة» ورئيس الحكومة حيدر العبادي ويقصي شركاءه الشيعة.لكنّ هناك حقيقتين يتداولهما المراقبون باهتمام لمحاولة إدراك نوع هذا الحدث النادر ومعناه، الأولى، اختصرها مقطع فيديو قصير شاهده مراراً وتكراراً ملايين العراقيين أمس، سجل كيف نجح بضعة آلاف من المتظاهرين، في عبور حاجز أمني من بين عشرات الحواجز المنيعة، كانت تمنع عبورهم نهر دجلة ووصولهم إلى المنطقة الخضراء، حيث تقدموا بشعارات هادرة وأزالوا الحواجز الحديدية وأكملوا طريقهم دون أن يعترضهم الجيش، حيث وقف الجنود مندهشين، لأن هذا يحصل لأول مرة في تاريخ الاحتجاجات المتواصلة منذ 2011، ثم وجد بعض الجنود أنفسهم يسيرون بشكل لا إرادي مع المحتجين ويرددون شعارات مناهضة للحكومة.
وسرت أنباء بأن الجنود عصوا أوامر رسمية تتضمن رشق المتظاهرين بالمياه الساخنة، وحتى لو لم تتأكد هذه المعلومة، فإن ما حصل اختبر قدرة الشارع على تجاوز الإجراءات الأمنية، وأن ظهر النظام السياسي بات مكشوفاً كما لم يكن من قبل. أما الحقيقة الثانية، فهي أن الصدر ظل يثير قلقاً ومخاوف لدى قطاع واسع من العراقيين حين طلب من جمهوره تنظيم الاعتصام، لكن زحف تياره إلى مقر الحكومة نجح في إنهاء الجدل الشعبي، واستقطب، خلال ساعات، تأييداً وحماساً بنحو منقطع النظير، وكأن الصدريين ينوبون، بخطوتهم هذه، عن جمهور عراقي واسع يشعر بالسخط على الطبقة السياسية الفاسدة، حيث صار الجميع ينسون أن الصدر هو جزء من هذه الطبقة السياسية، وراحوا يتعاملون معه كثائر أو منشق يطالب بإصلاح عميق.ولعبت عوامل عديدة دوراً في كسب الصدر لهذا التأييد الشعبي، منها أنه دشن شراكة مع التيار العلماني المدني الذي يحتج ضد الحكومة وحده في قلب بغداد منذ الصيف الماضي، ومنها أن رئيس الوزراء السابق نوري المالكي قطع صمته ودخل على خط الخلاف بين العبادي والصدر، فتحولت المنازلة من مواجهة بين الحكومة والتيار الصدري، إلى مواجهة ساخنة بين الصدر والمالكي الذي راح يصدر كلمات تهديد أعادت إلى ذاكرة العراقيين طريقة قمعه لمتظاهري المدن السنية عام 2013، وقد أدى هذا إلى جعل الجمهور ينحاز بوضوح إلى زعيم التيار الصدري.والتحول في نوع المنازلة يحمل رسالة كبيرة، كما توحي الشعارات الجديدة التي ظهرت أمس، إذ إن المطالب الحالية بإصلاح الحكومة ستتحول في أي لحظة إلى مطالبة بخروج حزب «الدعوة» من السلطة، بعد أن تمسك بمنصب رئيس الحكومة طوال 12 عاماً وعبر 5 حكومات، ولا أحد سيتمكن من تحقيق ذلك دون صناعة مناخ الاحتجاج الثوري الذي تكامل نهار الجمعة.لكن هذا يعني أن بغداد ستعيش أكبر اختباراتها على الإطلاق، لأن «الدعوة» يدرك أنه لن يعود بسهولة إلى السلطة لو خرج منها الآن، ولذلك سيحاول الصمود حتى اللحظة الأخيرة، وفي الوقت نفسه فإن تطورات الأيام المقبلة قد تجبر مرجعية النجف الدينية على الخروج عن صمتها، والتدخل بشكل طارئ لمنع حرب داخلية شيعية، وإذا كانت النجف تعاني شكوكاً حيال قيادات حزب «الدعوة» ونواياهم فإنها لن تجد أفضل من هذه الفرصة لإحداث تغيير سيمكنه أيضاً احتواء السخط الشعبي المتعاظم والمرشح للانفجار مع استمرار العجز المالي للدولة وتراجع أسعار النفط.