عن التوجه الاقتصادي النيوليبرالي المتوحش
إصرار الحكومة على تبني التوجه الاقتصادي النيوليبرالي الذي يطرحه صندوق النقد الدولي وغيره من مؤسسات الرأسمالية الاحتكارية، بالرغم من وجود بدائل اقتصادية أخرى أكثر إنسانية وعدالة، معناه أنها لا تراعي الغالبية الساحقة من المواطنين الذين سيواجهون أياماً صعبة قادمة.
يقوم التوجه الاقتصادي النيوليبرالي المتوحش على احتكار القِلة للسُلطة والثروة معاً، ويعتمد في تحقيق ذلك على وسائل عدة في مقدمتها الخصخصة أي انتقال المُلكية، ومعها تنتقل السُلطة بالطبع، من مُلكية عامة (المجتمع) إلى مُلكية خاصة (عدد من الأفراد)، والسوق المنفلت من دون ضوابط حتى في ظل وجود قطاع خاص هزيل يعتاش، كما هنا، على الإنفاق العام والدعم الحكومي ولا يقوم بوظيفته الاجتماعية إلا نادراً، علاوة على تقليص دور الدولة في النشاط الاقتصادي، وتحولها إلى مجرد حارس أمين للملكية الخاصة، وإلغاء أو تخفيض بنود الإنفاق الاجتماعي الضرورية إلى الحد الأدنى، أي غياب شبكة الأمان الاجتماعي، وزيادة أسعار السلع والخدمات الأساسية، ورفع الرسوم وفرض ضرائب غير مباشرة على الدخل، وهو الأمر الذي يؤدي، لا محالة، إلى اتساع الفوارق الطبقية (فقر مدقع وثراء فاحش)، وزيادة معدلات التعطيل الإجباري للعمالة الوطنية (البطالة)، والتهميش السياسي-الاقتصادي لفئات اجتماعية واسعة، والأمثلة على ذلك كثيرة، أحدثها وأقربها لنا ما حصل ويحصل في تونس ومصر واليونان وإسبانيا. والمؤسف أن التوجه الاقتصادي الذي "تُبشرنا" به الحكومة وتضعه في وثائق "خططها التنموية" هو ذاته التوجه الاقتصادي النيوليبرالي المتوحش الذي كانت نتائجة وخيمة على الناس والمجتمع في دول رأسمالية صناعية لديها اقتصاد منتج، وقطاع خاص حقيقي لا اقتصاد ريعي وقطاع خاص عائلي وغير إنتاجي، وهو الأمر الذي يعني أن النتائج هنا ستكون أكثر سوءا ومأساوية. إن إصرار الحكومة على تبني التوجه الاقتصادي النيوليبرالي الذي يطرحه صندوق النقد الدولي وغيره من مؤسسات الرأسمالية الاحتكارية، بالرغم من وجود بدائل اقتصادية أخرى أكثر إنسانية وعدالة، معناه أنها لا تراعي الغالبية الساحقة من المواطنين الذين سيواجهون أياماً صعبة قادمة، وظروفاً اقتصادية ومعيشية قاسية بدأت تتضح بعض مؤشراتها المزعجة في ارتفاع معدلات العمالة الوطنية المُعطّلة (البطالة)، وما سيترتب عليها من مشاكل اجتماعية-سياسية-اقتصادية، حيث بلغت نسبتها (10.4%) عام 2014 بحسب إحصاءات وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل، بل من المتوقع أن ترتفع النسبة كي تصل في الأعوام القليلة القادمة إلى معدلات قياسية غير مسبوقة. وتُشير البيانات والأرقام الرسمية إلى أن "47.1% من الكويتيين أقل من 20 سنةً، ومطلوب توفير 420 ألف فرصة عمل خلال 15 سنة القادمة"، فكيف سيُتعامل مع ذلك في ظل سياسات اقتصادية نيوليبرالية متوحشة ومنحازة اجتماعياً، وقطاع خاص هزيل وغير إنتاجي يعتمد على الإنفاق العام والدعم الحكومي السخي، والنسبة الغالبة من عمالته هي عمالة وافدة (94%)، وجهاز إداري حكومي مُتضخّم أصلاً ويعاني بطالة مُقنّعة؟