معاناة الشعوب أثناء الحروب
بودنا أن نخوض في موضوعات تتسم بالفرح والبهجة، لكن هذه الأمة قد ابتليت بأزمات، ما إن تخرج من واحدة حتى تدخل في أخرى في هذا الزمن، وعلينا أن نعيش هذه الظروف، وأن نقول في أحداثها رأياً ورؤية، ومنها الحروب التي ابتليت بها شعوبنا وبلداننا. الحرب هي نوع من أنواع الصراع تختلف وسائله وآثاره ونتائجه، فهناك حرب بين الخير والشر، وبين الحق والباطل، والقوة هنا هي التي تتحكم في مسيرتنا وتفرز نتائجها، لكنْ هناك حروب عبثية ليست من أجل الحق بل بسبب خلافات إثنية أو لأسباب تافهة تتطور إلى صراع ينتج عنه قتل وتدمير، والحالة التي تعيشها شعوبنا العربية بعضها بين الحق والباطل بينها وبين أنظمة فاسدة ومستبدة، وحروب عبثية لأهداف سياسية واقتصادية تفرض على الشعوب الضعيفة التي تدفع فيها ثمناً غالياً دون أن تكون لها فيها مصلحة ولا حتى في نتائجها وآثارها.
وآثار هذه الحروب يدفع ثمنها الشعوب، وهي آثار اجتماعية حيث يجند الشباب في الحرب ويكونون وقوداً لها، وتفقد الأسر شبابها وربما يكون الشاب عائلها الوحيد، وآثار اقتصادية بأن يفقد الناس مورد رزقهم، وتذهب الموارد للسلاح وغيره من متطلبات الحرب في الوقت الذي يحتاج الناس إلى تلك الموارد لمعيشتهم ومتطلباتهم وتعليم أبنائهم، وآثار سياسية في مقدمتها عدم الاستقرار السياسي الذي يترتب عليه وقف مشاريع التنمية والتطور، واضطراب الحياة العامة، وتسلط واستبداد وانعدام للأمن في ظل الحرب.يهمنا في هذا الموضوع التركيز على معاناة الشعوب الأخرى، وهي كثيرة ومتشعبة، نحاول هنا أن نذكر بعضها، ففي مقدمة تلك الآثار القتل، فللحرب ضحايا والجنود هم من الطبقة العاملة ومن الشباب يذهبون ضحايا هذه الحرب إضافة إلى الذين يقتلون خارج ساحات الحروب لسبب أو لآخر، كما أن هناك عدداً من الجنود من يقعون في الأسر أو يصابون بعاهات مستديمة، فبدلاً من أن يكون أولئك طاقة منتجة تعتمد عليهم عائلاتهم يكونون عالة عليها ومعظمها عائلات فقيرة تفتقر إلى مستلزمات الحياة الأساسية. ومن معاناة الشعوب أثناء الحروب السجن والتعذيب: فكثير من الجنود والناس الذين يسجنون ويعذبون من إفرازات الحرب، ومن بين هؤلاء من دخلوا السجون وعذبوا على الهوية، وليس لهم ذنب وأبرياء، سواء كانوا رجالاً أو نساءً أو أطفالاً. والحرب هي الحرب لا رحمة فيها، خصوصا إذا كانت القوى المتصارعة ضمن الحروب الأهلية لدوافع إثنية طائفية وعنصرية. وقد اتخذ التعذيب عند النظم الدكتاتورية الفاشية أشكالاً وأنواعاً لا يحتملها الإنسان، وتكون نتيجة ذلك وفاتهم تحت التعذيب، وقد كشفت الثورات العربية الأخيرة في عدد من الدول العربية صوراً منها، وستكشف الأيام صوراً أخرى تشكل عاراً في جبين تلك القوى التي مارست مثل تلك الأعمال، والعار ليس علاجاً، ولكن لا نملك غير الدعوة لوقف العنف والحرب. ومن آثار تلك الحروب الاغتصاب الذي تتعرض له النساء من القوى السياسية والمنحرفة الأخلاق، وهذه معاناة لهن ولعائلاتهن، وإن فضح تلك الممارسات لا يكفي، بل لابد من هبّة توقف تلك الممارسات، وتدمر القوى التي ترتكبها.كذلك من آثار تلك الحروب المخطوفون والمفقودون، بعض أولئك معروف عددهم، والقوى التي ارتكبت تلك الجرائم، وبعضهم غير معروف مصيرهم ومكانهم ولا القوى التي قامت بتلك الأعمال!ثم تأتي الهجرة القسّرية كنتيجة لهذه الحرب، حيث يفقد الناس منازلهم وأراضيهم وأملاكهم واستقرارهم ليبحثوا عن أماكن أكثر أمناً، وأصبحت هذه الظاهرة سُبّة في تاريخ العرب المعاصر، وأزمة تعانيها شعوبنا والشعوب الأخرى التي تستضيف أولئك اللاجئين، والحرب تؤدي إلى نقص في الموارد والمواد الأساسية للناس، كما تؤدي إلى تدمير العمران، وشل الحياة العامة، أضف إلى ذلك تعطيل العمل والدراسة وشيوع البطالة، وأزمة في توفير الماء والكهرباء والمواد الحياتية الأساسية، والحرب خاصة الأهلية الإثنية تدل على تخلف القوى التي تشعلها.تبقى إشكالية خاصة بالحرب حيث تغيب الإدارة والأمن، وتنتشر البطالة والفوضى، هذه الإشكالية هي السلب والنهب لممتلكات الآخرين، ولدى أولئك السراق مبرراتهم في حينها، غير أن أسبابها معروفة وتتمثل بالفوضى وغياب الأمن والفقر، كذلك ضعف القيم الدينية والأخلاقية أو انعدامها، وعادة هذه الظاهرة تصاحب الحروب، وأحياناً يتم تشجيعها ويسهم فيها عناصر وجماعات من القوى المسيطرة والنافذة في الصراع، حدث ذلك أثناء الاحتلال العراقي للكويت، وحدث أيضاً في العراق، ويحدث في سورية وفي غيرها.وليس هناك حل لمعاناة الشعوب أثناء الحروب إلا بوقف الحرب، وإقرار السلام، والنهوض الحضاري والتطبيق الديمقراطي.