وبالمقارنة ما الذي نجده بجانبنا؟
![فوزي كريم](https://storage.googleapis.com/jarida-cdn/images/1498033753948674500/1498033754000/1280x960.jpg)
الصحافةُ الثقافيةُ في الغرب، أو العالمِ المتحضر في الغرب والشرق عامة، هي عمادُ التواصل بين طرفي المبدعين وقرائهم أو متذوقيهم. والثقةُ التي يتمتع بها الكاتب لا توفرُ بالضرورة رضا قارئه، لذلك تجدُ في كلِّ صحيفةٍ ومجلةٍ حقلاً للرسائل يَعرض فيها الجميعُ خلافاتِهم، ببالغ الرويّةِ واللياقة. ولقد اتسع هذا الحقلُ بصورة تفوقُ الخيال داخل نشاط المواقع الثقافية في الإنترنت. وبالرغم من أن مشهداً كهذه يبدو، مقارنةً بمشهدنا، أشبه بيوتوبيا لا تمس الأرض، فإنه مشهدٌ حي لا يخلو من شوائب الواقع. وهو طبعُ الكائن الإنساني المورط بخطاياه، مهما أخذتْ به يدُ التطور والتحضر. وبالمقارنة، ما الذي نجده بجانبنا؟: الكاتب الجيد، أو الذي يعتقد ذلك، يتعالى عن عرضِ كتابٍ في الصحافة، وخاصةً عن كاتب لا يعرفه شخصياً. وحتى إذا عرفه شخصياً، فيجب أن يعرف "مكانته" البارزة، لا موهبته، في "دائرة الأدب" الرسمية المتفق عليها في وسائل الإعلام، والمهرجان، والجوائز. وهي عمليةُ إطفاء متعمدةٌ وخطيرةٌ للمواهب الكبيرة، ولمغامرة اكتشافها، ومن ثم عملية إطفاء متعمدة وخطيرة للاستنارة المُنتظرة من فاعلية النقد، لأن النقدَ في معظمه اليوم يعتمد"النظرية المترجمة" التي نُقلت إلى عربية لا تحتمل وطأتها الغربية المُثقلة بالموروث النقدي، تماماً كاعتماد لغة "الشعر المترجم" لدى الشعراء. لم يبقَ لدى صحافتنا الثقافية، بشأن عروض الكتب، إلا جاهزية الكتّاب السريعي الاستجابة، الرخيصي الثمن. يتمتع هؤلاء بما يتمتع به الكتّاب السابقون من فقدان لهاجس المسؤولية ورهافة الضمير. وفي أحيان كثيرة تستعين بـ"الكَتَبة" الذين يطمعون باحتلال ولو كان ركنا صغيرا، حتى بدون مكافأة. يلقون نظرة على مقدمة الكتاب، أو كلمة الغلاف الأخير. وقد يعمدون دون قراءة إلى نسخ فقرة أو فقرتين من الكتاب، يحيطونها ببضعة جمل محشوة بالمصطلحات المترجمة، يحاكون بها نقاد ومثقفي "الدائرة الرسمية". كلُّ هذا يتم عن رضا وقناعة بأننا لا نملك غيرَ هذا الزاد، ولا نستحق إلا إياه. وهما رضا وقناعة تتداخل شبكة خيوطهما مع شِباك الاندفاعت المَرَضية الدينية، والطائفية، والعقائدية السياسة، وتشوّهات ثقافة الحداثة ومثقفيها، وفساد أنظمة الحكم. تتداخل في هارموني لا تليق موسيقاه إلا بأذن ساكن الجحيم.