الثورة التكنولوجية أفرزت لنا إعلاماً من نوع جديد يستخدم الشبكة العنكبوتية ومواقع التواصل الاجتماعي في طرح مختلف القضايا، حيث نجح هذا الإعلام في الوصول إلى مختلف الأعمار والطبقات بصورة مؤثرة ساهمت في تغيير المواقف السياسية والاجتماعية بالإيجاب والسلب في الكثير من الدول، ومنها الكويت، ومن هنا بدأت الدعوات إلى وجود تشريع أو قانون ينظم هذا التدفق في المعلومات التي يكون بعضها صحيحاً وبعضها مغلوطاً يؤدي إلى إثارة الفتن والبلبلة.
ومنذ بدأ الحديث عن إقرار قانون ينظم الإعلام الإلكتروني ومع صدور المسودة الأولى تعالت الصيحات ما بين مؤيدة ومعارضة، حيث أثار هذا القانون من الجدل ما لم يثره قانون من قبل حتى أقره مجلس الأمة منذ أيام بعد إجراء بعض التعديلات التي طالبت بها قوى سياسية ونقابية وأبقى على مواد أخرى لاتزال عليها تحفظات، ويبقى السؤال بعد صدور هذا القانون: هل سينتهي الجدل حوله أم أنه سيفتح الباب لاعتراضات أكثر خصوصاً مع الإصرار على تغيلظ العقوبات المالية والجنائية؟وفي حقيقة الأمر فإن للقانون مؤيديه الذين يستندون إلى وجهة نظر منطقية، ومعارضيه الذين يقدمون الحجج والأسانيد التي تدعمهم، فالمؤيدون يقولون إن هناك ضرورة ملحة لإقرار قانون ينظم الإعلام الإلكتروني بعد أن تشعب واتسعت وسائله وزاد استخدامه ومتابعوه، وفي ظل ما يحدث من فوضى عبر مواقع التواصل الاجتماعي من معارك وترويج للشائعات وتشهير وتجريح وإساءة مستندين إلى ما يشهده عالمنا العربي من أحداث ملتهبة لعبت فيها وسائل الاعلام ومواقع التواصل دوراً كبيراً، وساهمت في زيادة الانقسام ونشر التعصب والتطرف، حيث إن هذه الوسائل تستخدم لتصوير أعمال عنيفة على أنها أعمال بطولية.ويؤكد المؤيدون أن جميع المجتمعات المتقدمة تحبذ وجود قوانين تنظيمية لكل شؤون الحياة، وأن من لا يفعل شراً لا يخاف من أحد، كما يقول المثل الشعبي "لا تبوق لا تخاف" مشددين على أن القانون أخضع لدراسة مجتمعية وقانونية وفنية مستفيضة وتمت مناقشة مواده وبحثها من قبل اختصاصيين، ولا يتعارض مع حرية التعبير أو أي مادة في الدستور، والدليل إقراره من قبل مجلس الأمة بالتوافق مع الحكومة.في المقابل، يعتبر المعارضون القانون ضربة موجهة للحريات وأنه يحوي من المصطلحات المطاطة ما من شأنه تأويلها وفق المزاج، ويقولون إنه ينتقم من الصوت الآخر ولا يهدف إلى تنظيم الإعلام الإلكتروني بقدر ما يقيد العديد من وسائله، مشددين على أن الديمقراطية تعني حرية الرأي وتقبل النقد وهذا القانون هو أحد أنواع تكميم الأفواه.ويقول المعارضون إن القانون يحاسب على التغريدة والصورة والخبر والتفاعل عبر التطبيقات التي تحكمها أصلاً شروط عالمية تمنح مستخدميها حرية مطلقة ومجالاً رحباً لإثراء النتاج البشري وتلاقي العقول والأفكار والإبداعات والأخبار، ولذلك يطالبون بإعادة النظر فيه، خاصة فيما يتعلق بالعقوبات المالية المبالغ فيها.وفي ظل هذا الاختلاف وتباين الآراء حول هذا القانون، علينا أن ننتظر ما ستسفر عنه المرحلة المقبلة، حيث إن تطبيقه عملياً على أرض الواقع هو ما سيحدد مدى الرضا عنه وقبوله أو رفضه والمطالبة بتعديله أو حتى إسقاطه، فإن ثبت جدواه فليستمر وإن تبين عكس ذلك يجب إعادة النظر فيه، فالقوانين ليست مقدسة وهي من صنع البشر الذين يخطئون ويصيبون.
مقالات
هل سيصمد «الإعلام الإلكتروني»؟
23-01-2016