عبدالله المبارك
في أوائل خمسينيات الكويت -وقبلها- لم يكن يحظى الأطفال بما ينعم به أطفال كويت اليوم، وما تحفل به حياتهم من شتى وسائل التسلية... إذا استثنينا أيام الأعياد، حيث ركوب الحمير، والتمرجح بالديارف، فإن يوم الجمعة بالنسبة إلينا كان استثنائياً، حيث كنا نتجمع عصراً أمام دائرة الأمن العام لنشاهد الشيخ عبدالله المبارك، الذي يتصدر مجلساً خارج مبنى الدائرة على الشارع العام، وتمر من أمامه الفرقة الموسيقية العسكرية برجالها الذين يرتدون حللهم الحمراء، يتقدمهم قائد الفرقة حاملاً بيده عصا ملونة برأس فضي، يحركها بالتوافق مع الإيقاع الموسيقي، ثم يقذف بها في الهواء عالياً! ويلتقطها برشاقة، فيصفق له الشيخ، ونتابعه نحن بالتصفيق.هذا الحدث جعل الشيخ عبدالله المبارك في وجداننا -نحن الصغار- الشيخ الأثير لدينا.
• أما عند الكبار فقد كان الشيخ عبدالله المبارك في تلك الحقبة هو النجم الأبرز - بعد الشيخ عبدالله السالم- إذ كان يرأس العديد من الدوائر الحيوية التي كانت تدير دفة الأمور في البلاد.***• كنا في أواسط الخمسينيات نسكن في حي الصوابر، حيث صادف أن هطلت أمطار غزيرة هُدمت على اثرها الكثير من البيوت! حتى سُميت بسنة الهدامة.عايشت هذا المشهد الخرافي الذي كنت أسمع فيه الناس تتصايح هلعاً وفزعاً مما يلاقونه من دمار، طالبين الغوث والنجدة...!وكنت مع أفراد عائلتي أرتعد مع الصغار، وإذا برجلٍ مهيبٍ قد شد جلبابه على بطنه وهو يخوض المياه، يمد يده نحونا فيحملنا هو ومن كان معه من رجال على أكتافهم إلى مكان تقف فيه سيارات حملتنا إلى إحدى المدارس.كان هذا الرجل هو الشيخ عبدالله المبارك مع رجال دائرة الأمن العام وفي مقدمتهم عبداللطيف الثويني... لم أنس أبداً هذا المشهد ما حييت. ***• كان الشيخ عبدالله المبارك يولي الإذاعة اهتماماً خاصاً، فهو الذي عمل على تأسيسها، بعد أن كانت إذاعة أهلية تبث آيات من القرآن الكريم، وبعض الأغاني من مكتب البهبهاني في ساحة الصفاة، فتوقفت بعد أن نقلها إلى دائرة الأمن العام، وبدأ صوت حمد المؤمن أول من قال: -هنا الكويت- بالمعنى الاحترافي، نسمعه كل ليلة.وصادف أن أتيح لي السلام على الشيخ عبدالله المبارك في إحدى مفاجآته لزيارة الإذاعة التي كان لي نشاط فيها.• وعندما انتقل الشيخ عبدالله المبارك من الكويت إلى بيروت كان مجلسه يحفل بالأدباء والمثقفين، وكان عفيف الطيب نقيب الصحافة اللبنانية لا يفارق مجلسه.وكذلك هو الحال لمّا سكن القاهرة امتدت شبكة علاقاته مع كبار المصريين في حقول السياسة، والثقافة، والأدب، فقد كان يدير أعماله فيها أنور السادات بموافقة من عبدالناصر، الذي كانت تربطه بالشيخ عبدالله المبارك وعائلته علاقة وطيدة.• لما عاد الشيخ عبدالله المبارك إلى الكويت التقيته أكثر من مرة في قصر مشرف، وصادف ذلك أن الشاعر نزار قباني كان في زيارة للكويت، فصحبته مع الشاعر أحمد مطر لمقابلة المبارك بناء على رغبته، وقضينا مع أبي مبارك وقتاً طيباً، حدثنا عن الكثير من تجاربه في الحياة السياسية، وعن علاقاته الواسعة مع قادة العالم.• ولأن النزعة الإنسانية متجذرة في روح هذا الإنسان، فقد كان يقف يوماً في شرفة قصر مشرف، الذي يطل على شارع عام، وشاهد امرأة تنتظر في الشارع، لفت انتباهه كثرة الذين يقفون لمغازلتها، فظهر عليه الغضب، وما كان منه إلا أن نزل من القصر إلى الشارع ليضع حداً لهذه التصرفات غير المسؤولة، ويطلب من أحد العاملين عنده أن يوصل المرأة إلى حيث تريد، وكان حزيناً جداً لما شاهده.***• هناك الكثير مما يمكن أن يقال عن الشيخ عبدالله المبارك... شكراً للدكتورة سعاد الصباح التي وافتني بكتاب "تاريخ عبدالله المبارك في صور"، الذي جعلني آتي على هذه الذكريات.