لست مقتنعاً بما تسير إليه ثقافتنا العربية نحو «بعض» تلك الاتجاهات الغريبة على أصالتها، ولا أعني المتزمتة والمتحجرة، أو تلك التي لا تنفع مع أي زمن ويجب التخلي عنها، لكنني مقتنع بتلك الأصالة التي ترسخت فينا اجتماعياً، وقبلها إيمان قوي بأنفسنا وبقدرتنا على التصدي لأي غزوات خارجية أو سلوكية اجتماعية بما فيها الثقافة في زمن مغاير.
ورغم تلك القناعة فلا يمكن أن نتجاهل الحاجة إلى أدوات التطور وتسريع وتيرة الحياة التي هي سمة العصر، وإنما علينا الالتفات إلى تلك الصور التي تصيب جوهر الثقافة والمعرفة والسلوك الاجتماعي التي تقتضيها الضرورة قبل غيرها.لن نكرر الحديث عن العالم الذي أصبح قرية صغيرة كما يراه الجميع في زمن انفتحت فيه كل الأبواب على اللامنتهي من المعارف والتواصل، فذلك أمر بات معروفاً، بل سنتوجه إلى لب الموضوع مباشرة ونتحول إلى نقطة ذات أهمية استيقظت في نفسي وأدركت قيمتها وحاجتي إليها وتمنيت لو أنها أتيحت لي وغيري من أبناء جيلي حين كنت صغيرا، ولكنها لم تتوفر بتلك الصورة أو الإمكانيات التي أتيحت لأطفال عالمنا اليوم.كما لا ننكر أننا من جيل سابق، قد قطفنا ما لحقنا به من ثمرات المعرفة والتقدم التقني بمثابرة ووعي بقيمة هذه الأدوات الجديدة ونحن ندرك أنها «لغة العصر وأدواته»، ونحن بحاجة إليها فيما تبقى لنا من وعي كي نبدع من خلالها.قلت بداية «لست مقتنعاً...» وكنت أقصد الكثير من الجديد الطارئ الذي يرفضه الكثيرون، إما لأنه يتنافى مع القيم الأصيلة أو لأنه غريب على ثقافتنا العربية، وخاصة في عالم الفن الذي لم يصل في انحداره واستخفافه بالقيم الجمالية مثل ما وصل إليه في زمن قريب مازلنا نعانيه ونخاف على ذائقة العامة صغارا وكبارا، وكأن هناك خطة خفية تريد تغيير كل ملامح تراثنا وثقافتنا بما فيها الفنية الرفيعة.تفاءلت بحذر، وأنا أتابع برنامجاً على قناة MBC خصص لاكتشاف المواهب الفنية من الأطفال العرب The voice kids، حين استمعت إلى بعضهم يؤدون كل بقدر استطاعته ومقدرته ووعية أغاني أكثر ما لفت النظر فيها بعد تلك الأصوات البديعة في الأداء أن أغلبها كان من تلك التي نطلق عليها أغنيات «الزمن الجميل»، وهذا في حد ذاته يؤكد تخوفنا مما أشرنا إليه بأن هناك خطة موجهة إلى ذائقة العامة الرفيعة في الفن يقوم بها أولئك الذي يلهثون وراء الشهرة والكسب السريع بأعمال فنية هابطة، وأن الجيل القادم الذي يمثله هؤلاء الأطفال سيكون أكثر وعياً وإدراكاً إلى ضرورة أن يكون الفن رفيعاً وجميلاً، ويعود إلى مجرى النهر العذب الذي شرب منه العمالقة الأولون وأسقونا.لا يعنينا هنا الجانب التجاري الذي يجتهد فيه راعي هذه البرامج، فهذا حق له، بل سنبقى في انتظار المزيد من البرامج التي تؤهل الكثيرين من أطفالنا في مجالات إبداعية أخرى ينتفع منها مجتمعنا العربي مستقبلاً ضمن خطة بناء سليمة تعيد الأمور إلى أساسها وأصالتها بأدوات العصر وتقنياته.* كاتب فلسطيني ـ كندا
مقالات - اضافات
أطفال العرب
13-02-2016