يدخل النزاع السوري عامه السادس، في ظل هدنة غير مسبوقة بين النظام والمعارضة يصعب التكهن بصمودها، لكن يعول عليها من جهة السوريين، الذين تعبوا من الاقتتال والتشرد والدمار، ومن الجهة الأخرى المجتمع الدولي، الذي يحاول الدفع باتجاه حل سياسي.

Ad

شكَّل العام الخامس من عمر الأزمة السورية محور التحولات الكبيرة في النزاع، إذ شهد تدخلاً روسياً جوياً نجح في تغيير المعطيات على الأرض لمصلحة قوات النظام، ولعب دوراً في التوصل إلى اتفاق لوقف الأعمال القتالية يستثني تنظيم "داعش" و"جبهة النصرة" اللذين يسيطران على أكثر من نصف الأراضي السورية.

وتتزامن ذكرى اندلاع الاحتجاجات ضد نظام الرئيس بشار الأسد في منتصف مارس 2011 مع جولة محادثات سلام تعقد في جنيف برعاية الأمم المتحدة، وسط ضغوط من الدول الكبرى، سعياً إلى حل لنزاع أسفر عن مقتل أكثر من 270 ألف شخص، وتشريد نصف مليون سوري داخل البلاد وخارجها، ما يمثل أكبر أزمة للاجئين في العالم منذ الحرب العالمية الثانية.

وبدأت الأزمة في 15 مارس 2011 بسلسلة تظاهرات طالبت بإصلاحات، ثم بإسقاط الأسد، لكنها ووجهت بحملة قمع عنيفة تطورت إلى نزاع دام بين النظام ومعارضين حملوا السلاح، ثم إلى حرب مدمرة متعددة الجبهات تدخلت فيها أطراف إقليمية عدة، وصولاً إلى بروز الجهاديين، الذين احتلوا أجزاء واسعة من البلاد ونشروا الرعب فيها.

التدخل الروسي

وساعد التدخل الروسي المباشر منذ آخر سبتمبر 2015 النظام، الذي مُني في السنوات السابقة بخسائر فادحة، في "تمكين سيطرته على سورية المفيدة"، وهو الاسم الذي يطلق على المناطق التي تضم العدد الأكبر من السكان، وتشمل دمشق ومناطق في وسط وغرب البلاد تتمتع بتواصل جغرافي.

ومع مرور الزمن، تعقد المشهد أكثر، فإلى جانب الجبهة بين قوات النظام المدعومة من مجموعات لبنانية وعراقية ومقاتلي المعارضة اليوم، هناك جبهات بين "داعش" والنظام، وبين الجهاديين والمعارضة والأكراد، وبين الأكراد و"داعش"، في مواجهات عكست توتراً ذا بُعد مذهبي واضح بين بعض دول المنطقة الداعمة للفصائل المعارضة وغالبيتها سُنية، وإيران الشيعية الداعمة لدمشق وحليفها "حزب الله" اللبناني.

صور مروعة

وهزت صور مروعة لجثث أطفال على الشواطئ بعد غرق مراكب كانوا يسافرون فيها بطريقة غير قانونية، العالم، وما لبثت أن أغلقت الحدود الأوروبية أمام عشرات آلاف الفارين من الحرب، بحثاً عن الأمان.

وشهدت حلب لأول مرة منذ سريان الهدنة قصفاً نظامياً استهدف حي الصالحين أمس وأسفر، وفق المرصد السوري لحقوق الإنسان، عن مقتل 5 مدنيين.

وفي حمص، قال مصدر قريب من الحكومة إن الجيش السوري مدعوما بغارات روسية يسعى إلى انتزاع مدينة تدمر التاريخية من "داعش"، ليفتح لنفسه طريقاً صوب محافظة دير الزور الشرقية في هجوم أكد أنه بدأ بالفعل هذا الأسبوع.

الهدنة والتفاوض

وخلافاً للتوقعات، صمد وقف لإطلاق النار تم التوصل إليه بين روسيا والولايات المتحدة منذ بدء سريانه في 27 فبراير. وسمحت الهدنة الهشة بتحديد موعد للمفاوضات، التي يفترض أن تنطلق الاثنين، وستركز، وفق ما أكد مبعوث الأمم المتحدة ستيفان ديميستورا أمس، على تشكيل حكومة جديدة جامعة، ودستور جديد وإجراء انتخابات خلال 18 شهراً من موعد بدئها، أي 14 مارس، بإشراف المنظمة الدولية، آملاً بالتوصل "في المرحلة الأولى من المحادثات إلى تحقيق تقدم على الأقل في المسألة الأولى" المتعلقة بالحكومة الجامعة.

موافقة المعارضة

وأكدت الهيئة العليا للمعارضة عزمها المشاركة في "جنيف 3"، موضحة في بيان أصدرته أمس، أن القرار جاء "بناء على التزامها بالتجاوب مع الجهود الدولية المخلصة لوقف نزيف الدم السوري، وإيجاد حل سياسي للوضع في سورية".

وأشارت الهيئة إلى أن "جهود الوفد المفاوض ستتركز على الأجندة التي وضعتها الهيئة بناء على بيان جنيف (2012) وغيره من القرارات الدولية فيما يتعلق بإنشاء هيئة حكم انتقالي كاملة الصلاحيات التنفيذية، وإقامة نظام تعددي يمثل جميع أطياف الشعب، من دون أن يكون لبشار الأسد وأركان ورموز نظامه مكان فيه أو في أي ترتيبات سياسية قادمة".

مشاركة الأكراد

واستبق وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف إعلان نظيره السوري وليد المعلم، رسمياً موقف دمشق من محادثات جنيف في مؤتمر صحافي، ودعا ديميستورا إلى "اتخاذ القرار الصائب" وإشراك الأكراد في "جنيفي 3"، الأمر الذي تعارضه تركيا بشدة.

وصرح لافروف في مؤتمر صحافي مشترك مع نظيره الصيني وانغ يي في موسكو، بأن "إطلاق المحادثات من دون مشاركة هذه المجموعة سيكون مؤشر ضعف وانتهاكا لحقوق مجموعة كبيرة ومهمة من سكان سورية"، مضيفاً أن استبعاد الأكراد "سيغذي طموحات الذين لا يريدون البقاء ضمن سورية، بل يريدون تقسيمها".

تقسيم سورية

وتراجع الكرملين أمام فكرة التقسيم التي روج لها مسبقاً وقوبلت برفض إقليمي من تركيا وإيران، إلى جانب هيئة المعارضة، إذ اعتبر المتحدث باسمه ديمتري بيسكوف، أمس، أن الحفاظ على وحدة أراضي سورية، هو على الأرجح "حجر زاوية" لكثير من الدول، كما أنه أولوية بالنسبة لروسيا.

لكن دبلوماسيين في الأمم المتحدة أكدوا أن قوى كبرى قريبة من محادثات "جنيف" تبحث إمكانية تقسيم سورية اتحادياً (الفدرالية) يحافظ على وحدتها كدولة واحدة، بينما يمنح السلطات الإقليمية حكماً ذاتياً موسعاً.

وقال دبلوماسي بمجلس الأمن لوكالة رويترز، طالباً عدم نشر اسمه، إن بعض القوى الغربية الكبرى، وليست روسيا فحسب، تبحث أيضاً إمكانية إقامة نظام اتحادي لسورية، وعرضت الفكرة على ديميستورا. وأضاف: "مع التأكيد على الحفاظ على سلامة سورية وبقائها كدولة واحدة، يوجد بالطبع جميع أنواع النماذج المختلفة لنظام اتحادي سيكون متحرراً للغاية من المركزية، ويعطي الكثير من الحكم الذاتي لمختلف المناطق". وأكد دبلوماسي آخر بالمجلس التصريحات.

(دمشق، الرياض، جنيف، موسكو- أ ف ب، رويتروز،

د ب أ، كونا)