تقرير اقتصادي: تكرار سياسات الفوائض السلبية في مواجهة عجز الميزانية!
● خلق اقتصاد بديل أساسه إصلاح الإدارة لا يزال بعيداً
● ضرورة المراجعة ربع السنوية لأداء الحكومة بشأن البيانات
● ضرورة المراجعة ربع السنوية لأداء الحكومة بشأن البيانات
العجز في الميزانية، لا ينحصر فقط في مجرد فارق إيرادات ومصروفات نتج عن انخفاض أسعار النفط بل هو عجز في قدرة الدولة وإدارتها في كثير من الملفات منها على سبيل المثال، خلق أنشطة استثمارية متنوعة توفر إيرادات غير نفطية وفرص عمل خارج القطاع العام وتسهم في حل التركيبة السكانية.
رغم مرور عام وثمانية أشهر على بداية تراجع أسعار النفط عالمياً، وما انعكس عليه محلياً من تسجيل الميزانية العامة للدولة أول عجز مالي منذ 16 عاماً، فإن أساليب المعالجة الحكومية لم تختلف في حالتي الفوائض أو العجز.فبعد سنوات من إضاعة الوقت والمال في مشاريع وخطط وإنفاق مالي - لم ينعكس إيجاباً على تعديل هيكل الاقتصاد، بل ساهم في تعقيد الحالة الاقتصادية - عادت السياسات ذاتها تستهدف إيجاد حل للعجز المالي، فالحلول والنقاشات الحكومية - البرلمانية المطروحة خلال هذا الأسبوع، من خلال اجتماعات المجلس الأعلى للتخطيط أو مجلس الأمة كلها تتعامل مع ملف الاقتصاد وفق آلية الإيرادات والمصروفات، من دون اعتبار لما يمكن أن يكون خَلقاً لاقتصاد بديل يمول الميزانية بشكل دائم، بغض النظر عن أسعار النفط وتقلباتها، التي تبدو آفاقها السلبية ممتدة على المديين القصير والمتوسط، إن لم يكن الطويل.دول العالمهناك نحو 60 إلى 65 في المئة من دول العالم لديها عجز في ميزانياتها، والتحدي ليس العجز ذاته، بل كيفية إدارة هذا الملف (العجز)، على الأمر الذي يجعل خلق اقتصاد بديل أساسه إصلاح الإدارة أمراً مطلوباً، لأنه أكثر ديمومة وفائدة، مع الاعتراف بأن إخفاقات الاقتصاد الكويتي أعمق وأشمل من مجرَّد ارتفاع أسعار النفط أو انخفاضها، ولعل أحد أبرز هذه الإخفاقات، إعادة تكرار نفس الميزانيات السنوية، ليس فقط بنفس اختلالات الإنفاق، لكن أيضاً بنفس الانتقادات الحكومية لآلية الميزانية التي أصدرتها الحكومة ذاتها!بل إن هذه الميزانية ذاتها لا تزال تواصل الإنفاق الاستثماري على المشاريع، رغم عائده الضعيف على الاقتصاد، فالمشكلة ليست في الإنفاق على المشاريع في زمن العجز، بل في أثره على إيرادات الدولة، وخطط تنويع مداخيلها، فضلاً عن تخفيف العبء الأكبر، المتمثل في أثر سوق العمل السلبي وتدني الإيرادات غير النفطية على الميزانية، فمن المفترض أن تتم هيكلة مشاريع الدولة بما يساهم بتمويل الميزانية من جهة، وخفض إنفاقها من جهة أخرى.عائدات وعجزالعجز في الميزانية لا ينحصر فقط في مجرَّد فارق إيرادات ومصروفات نتج عن انخفاض أسعار النفط، بل هو عجز في قدرة الدولة وإدارتها في كثير من الملفات، منها على سبيل المثال خلق أنشطة استثمارية متنوعة توفر إيرادات غير نفطية وفرص عمل خارج القطاع العام، وتسهم في حل التركيبة السكانية، فوفق آخر ميزانية سجلت فائضاً مالياً (2013 -2014)، نجد أن العائدات النفطية شكلت 96 في المئة من إجمالي إيرادات الدولة، وفي حال استبعاد الإيرادات النفطية، فسيصل العجز إلى نحو 16 مليار دينار.تدني الترتيب التنافسي، هو أحد أوجه العجز في الكويت، الذي يمتد لمناحٍ متنوعة، ما يحرمنا من فرص استثمارية متنوعة تتجه إلى دول الخليج الأخرى، فمثلاً الكويت تحتل الترتيب الـ 85 عالمياً في مدى تطور عمليات مؤسسات الأعمال والقدرة على الابتكار والترتيب بانتقال الاستثمارات الأجنبية والتكنولوجيا إلى البلاد، و104 عالمياً في مؤشر سهولة الأعمال. إنفاق متنامٍفي سنوات الفوائض، لم يكن هناك أي ربط بين إنفاق الميزانية العامة وخطة التنمية، فتحقق فشل الخطة السابقة للتنمية 2009-2013،والصحيح أن ترتبط الخطة الخمسية والسنوية بأهداف الميزانية، وجعل بعض مشروعات الخطة، خصوصاً المتعلقة بالإنفاق العام أو مستهدفاتها، كرفع نسبة الناتج غير النفطي في الناتج المحلي الإجمالي وتنويع مصادر الدخل، من ضرورات هذه المرحلة، ولاسيما مع تراجع أسعار النفط وغموض مستقبل السوق.في سنوات العجز يتنامى الإنفاق المبالغ فيه على أكثر من صعيد، ليصل إلى سحب 6 مليارات دينار من الاحتياطي العام للدولة والميزانية العامة، لزيادة الإنفاق العسكري، ما يعكس تناقضات كثيرة في سياسات حكومية تدعي أنها تهدف إلى إعادة تسعير الخدمات لخفض النفقات العامة، ما يعكس شعوراً بعدم جدية الإصلاح المالي، فضلاً عن تنامي فاتورة العلاج في الخارج، كثالث أكبر فاتورة دعم بعد الكهرباء والبنزين، وهذه فاتورة خلقتها الحكومة بنفسها، بهدف شراء ولاءات وترضيات لا علاقة لها بديمومة الاقتصاد أو تطوير الإدارة.بلا مشروعحتى اليوم لم تقدم الحكومة أي مشروع واضح أو شامل يستهدف معالجة اختلالات الاقتصاد الكويتي، بل ولم تبين حتى المبلغ المطلوب توفيره سنوياً من إجراءات "شد الحزام"، المفترض أن تشمل الدعوم الأساسية، كالكهرباء والبنزين، في ظل اختلال واضح في التوجه إلى قاعدة هرم الثراء، وليس القمة، رغم الآثار السلبية المختلفة التي يمكن أن تنعكس على التضخم وغلاء المعيشة، في ظل تدني قدرات الجهات الرقابية، وضعف قنوات المنافسة التجارية في السوق... وهي توجهات تفتح المجال لردة فعل أكبر بكثير من الانتقادات التي حدثت عند إعادة تسعير الديزل العام الماضي.بيان ربع سنويالعجز المالي، بحد ذاته، ليس كارثة، لأن التحدي في شرط وجود إدارة قادرة على التعامل معه بشكل فني، وهنا يكمن الخوف في أننا نتعامل مع إدارة لم تعرف كيف تتصرف بالفوائض المالية، ولم تستخدمها في تطوير الاقتصاد، واليوم أمامها مسؤولية سد العجز، الأمر الذي يتطلب منها - على الأقل - وضع برنامج شامل للإصلاح الاقتصادي والمالي تتم مراجعته بشكل ربع سنوي لأداء الحكومة فيما يتعلق بالبيانات الاقتصادية، كالنمو الاقتصادي وتنويع مصادر الدخل والتركيبة السكانية وإصلاح سوق العمل ووقف الهدر وترشيد الإنفاق، وغيرها، ليتبيَّن من خلاله مدى الإنجاز أو الفشل في الإدارة العامة، وعليه تتم المحاسبة أو المكافأة... فتحمُّل الفشل في زمن الفوائض أقل ضرراً من الفشل في التعامل مع العجز.